التفسير والبيان :
يذكر الله تعالى حال الكفار إذا تبينوا يوم القيامة وعرفوا النار ، وشاهدوا أهوالها وفظائعها ، فلو رأيتهم أيها السامع وما بهم من هول وفزع لرأيت عجبا يصعب وصفه ، حين تعرضهم ملائكة العذاب على النار ، ثم يدخلونها ويعاينون شدتها ، فيندمون ويتمنون العودة إلى الدنيا قائلين : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا ...) أي يا ليتنا نرجع إلى الحياة الدنيا ، ولا نكذب بآيات الله وحججه الدالة على وحدانيته وصدق رسله ، ونؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين ، ونتوب من ذنوبنا ، ونعمل صالحا يرضي الله سبحانه.
فرد الله عليهم بقوله (بَلْ) للإضراب الإبطالي لهذا التمني ، وللإضراب عن إرادة الإيمان ، فحالهم لم تتغير ، وإنما ظهر لهم حينئذ ما كانوا يخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة ، وإن أنكروها في الدنيا أو في الآخرة ، وتظهر حقيقتهم ؛ لأنهم كانوا يخفون الكفر ولا يبدونه ، أما المؤمن الحقيقي فيعلن إيمانه ولا يكتمه ، ويتحملون عاقبة كفرهم من العقاب الشديد ، كما قال تعالى : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) [الحاقة ٦٩ / ١٨] فهي لا تخفى على أنفسهم ولا على ربهم ، وقال تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ. وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الزمر ٣٩ / ٤٧ ـ ٤٨].
ثم كذّبهم الله صراحة في هذا الندم أو التمني ، فقال : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا ...) أي لو ردّوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما نهاهم الله عنه من الكفر والعناد والنفاق والمعاصي ، فإن العصيان مستقر في أنفسهم ، فديدنهم العناد ، وطبعهم الكذب ، ولو ردّوا إلى الدنيا لأنكروا مرة أخرى البعث والحساب والجزاء ، وأقروا بحياة الدنيا ولم يؤمنوا بالآخرة ، وقالوا : ما هي إلا حياتنا الدنيا فقط ، نعيش ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ، ولا ثواب ولا عقاب في الآخرة ، بل لا