المناسبة :
هذه قصة المائدة التي لا يعرفها النصارى إلا من القرآن ، وهي نعمة تاسعة ومعجزة بعد النّعم الثماني المتقدّمة ، إذ تمّ إنزال المائدة بطلب عيسى عليهالسلام ، علامة على قدرة الله وتصديق الناس بنبوّته ، وهي مما امتنّ الله به على عبده ورسوله عيسى لما أجاب دعاءه بنزولها.
التفسير والبيان :
اذكر يا محمد وقت قول الحواريين أصحاب عيسى المخلصين إذ قالوا لعيسى : هل يفعل ربّك ويرضى أن ينزل علينا مائدة طعام من السماء.
والمقصود بكلمة الاستطاعة ، مع أن الطلب صادر من الحواريين وهم مؤمنون يعلمون أن الله قادر على كلّ شيء : أنه هل يفعل ذلك ، وهل يجيبك إلى مطلبك أو لا؟ فأرادوا علم المعاينة والمشاهدة والاطمئنان بعد توافر الاعتقاد والعلم بقدرة الله تعالى ، كما قال إبراهيم عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [البقرة ٢ / ٢٦٠] ، لأن علم النّظر والخبر قد تدخله الشّبهة والاعتراضات ، وعلم المعاينة المحسوس لا يدخله شيء من ذلك ، ولذلك قال الحواريون : (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) كما قال إبراهيم : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(١) [البقرة ٢ / ٢٦٠].
قال السّدّي : هل يستطيع ربّك أي هل يطيعك ربّك إن سألته ، وهذا تفريع على أن استطاع بمعنى أطاع ، والسّين زائدة (٢).
وقال الطّبري : الأولى في المعنى عندي بالصّواب : هل يستجيب لك إن سألته ذلك ويطيعك فيه (٣).
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٦ / ٣٦٥
(٢) تفسير الرازي : ١٢ / ١٢٩
(٣) تفسير الطّبري : ٧ / ٨٤