ويجب رد المسروق بعينه إن كان قائما ، وبقيمته إن كان مستهلكا عند الشافعية والحنفية لما رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم عن سمرة : «على اليد ما أخذت حتى تؤديه». ولا يجب ردّ القيمة حال الاستهلاك عند الحنفية ؛ إذ لا يجتمع حد وضمان ، لما أخرجه النسائي عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد» لكنه حديث مرسل. وتوسط المالكية فقالوا : إن كان السارق موسرا عند الحد ، وجب عليه القطع والغرم ، تغليظا عليه ، وإن كان معسرا لم يتبع بقيمته ، ويجب القطع فقط ، ويسقط الغرم ، تخفيفا عنه ، بسبب عذره بالفاقة والحاجة.
ثم علل سبحانه وتعالى حكم حد السرقة ، فقال : (جَزاءً بِما كَسَبا ، نَكالاً مِنَ اللهِ) أي أن قطع يد السارق والسارقة جزاء لهما بعملهما وكسبهما السيء ، نكالا أي إهانة وتحقيرا ومنعا من العودة للسرقة ، وعبرة لغيرهما. وهذه العقوبة وإن نفر منها بعض الناس ، لكنها العقوبة المناسبة التي هي الأشد تأثيرا ومنعا للسرقة ، وتوفيرا لأمن الناس على أموالهم وأنفسهم ، ولا يدرك أحد ما للسرقة من مخاطر نفسية وعصبية ، وما لها من أثر في إحداث القلق والرعب في النفوس ، لا سيما في الليالي الظلماء ، إلا من تعرض للسرقة ، فهي فضلا عن كونها خسارة ماحقة ، تجعل الشخص معدوما يائسا بائسا يحتاج إلى الاقتراض ليؤمن قوته وقوت أسرته ، ويتمنى أن يعثر على السارق ليقضي عليه ، هي مثيرة للقلق والهلع ، فيصبح الحي الذي تعرض لسرقة فأكثر مهددا كله بالأخطار ، فلا يكاد ينام إنسان وهو مطمئن ، وإذا اقتحم اللص منزلا في الليل أو في النهار ، أوقع السكان في الذعر ، وربما حدث القتل وإطلاق النار ، وفي ذلك ضرر وأذى لا يمكن حصر حدوده أو التنبؤ بنتائجه ، فكم من إنسان شاب شعره ، وكم من امرأة وطفل فقدا أعصابهما ، وكم من مخاوف أقضت مضاجع الناس في بيوتهم ، حتى إن القتل لا يكاد في رأيي يعادل السرقة أحيانا ؛ لأنه حادث فردي ينتهي أثره