وإن أصيبت الأمة بمصيبة من قتل وهزيمة ، فرح وقال : قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا أي حاضرا. فهؤلاء المنافقون يجب الحذر منهم أشدّ الحذر ، وهم مروجو الإشاعات المغرضة : إشاعة الضعف والهزيمة وعدم تكافؤ القوى في عصرنا الحاضر.
وأكدت الآيات رابعا أمر المؤمنين بالقتال في سبيل الله ، أولئك المؤمنون الذين يبيعون الحياة الدّنيا بالآخرة ، أي يبذلون أنفسهم وأموالهم لله عزوجل مقابل الحصول على ثواب الآخرة.
وثواب الآخرة لمن قتل أو غلب العدو عظيم جدا لا يخضع لتصور إنسان.
وظاهر قوله تعالى : (فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ) يقتضي التسوية بين من قتل شهيدا أو انقلب غانما ، أي إن كلّ من قاتل في سبيل الله ، سواء قتل (استشهد) أو غلب العدو ، فله عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل ، فللشهيد أجر ، وللغانم أجر ، بدليل ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تضمن الله لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي ، وإيمان بي ، وتصديق برسلي ، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنة ، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر وغنيمة». ومعنى الجملة الأخيرة : يقتضي أن من لم يستشهد من المجاهدين له أحد الأمرين : إما الأجر إن لم يغنم ، وإما الغنيمة ولا أجر. وهذا كله بالنسبة للمجاهد الذي أخلص النيّة في الجهاد.
أما إن نوى الجهاد ولكن مع نيل المغنم ، فإن أصاب الغنيمة تعجل ثلثي أجره من الآخرة ، ويبقى له الثلث ، وإن لم يصب غنيمة تمّ له أجره. وهذا مستفاد من حديث آخر عن عبد الله بن عمرو (١).
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٥ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨