تقطعوها. ومن قرأه بالجر فقد قال الكوفيون : إنه معطوف على الهاء في (بِهِ) وأباه البصريون وقالوا : ولا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار ؛ لأن المضمر المجرور كالتنوين ، ولا يعطف على التنوين. ومنهم من قال : إنه مجرور بباء مقدرة لدلالة الأولى عليها.
البلاغة :
يوجد طباق بين قوله : (رِجالاً وَنِساءً) ويوجد إيجاز في قوله : (رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) أي ونساء كثيرات.
المفردات اللغوية :
(النَّاسُ) اسم للجنس البشري ، واحده من غير لفظه : إنسان. (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) أي اتقوا عقابه بأن تطيعوه (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) آدم (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) حواء ، من ضلع من أضلاعه اليسرى (وَبَثَ) فرق ونشر (مِنْهُما) من آدم وحواء من طريق التناسل والتوالد (رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) كثيرات (تَسائَلُونَ) أي تتساءلون ، أي يسأل بعضكم بعضا بأن يقول : سألتك بالله أن تفعل كذا ، وأسألك بالله ، وأنشدك بالله (وَالْأَرْحامَ) جمع رحم ، وهي هنا القرابة من جهة الأب أو الأم ، أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها ، والمراد : خافوا حق إضاعة الأرحام. ومن قرأ بالجر عطفه على الضمير في (بِهِ) وكانوا يتناشدون بالرحم (رَقِيباً) أي مشرفا والمراد : حافظا لأعمالكم ، فيجازيكم بها ، وهو لا يزال متصفا بذلك ، فهو الحفيظ المطلع العالم بكل شيء.
التفسير والبيان :
يأمر الله تعالى الناس العقلاء بتقواه بامتثال الأوامر واجتناب المنهيات في كل ماله صلة بعبادته وحده لا شريك له وبحقوق العباد ، ويؤكد الأمر بالتقوى بما يحمل على الامتثال ، بذكر الربوبية المضافة إلى المخاطبين التي تربيهم بنعمه وتفيض عليهم من إحسانه ، ثم ذكر لفظ الله في الأمر الثاني بالتقوى ، لأن الله علم المهابة والجلالة ، ثم التذكير بأنه خالقهم ، والتنبيه على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة ، فهم من أصل واحد كلهم لآدم وآدم من تراب ، وأنه خلق من تلك النفس زوجها وتناسل منهما البشر ذكورا وإناثا ، وجعل من تلك الذرية رابطة الأسرة القائمة على الرحم وصلة الدم والقرابة مما يدعوهم إلى التراحم