الأصول أنه لا يوقف على لفظ الجلالة ، والراسخون معطوف عليه ، على معنى : لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم. قال ابن عباس : أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله. فالمتشابه يعلمه الراسخون ؛ لأن الله تعالى ذم الذين يبتغون التأويل بقصد الفتنة والإضلال ، ذاهبين فيه إلى ما يخالف المحكم ، والراسخون في العلم ليسوا كذلك ، فهم أهل اليقين الثابت الذي لا اضطراب فيه ، إذ يفهمون المتشابه بما يتفق مع المحكم.
وأما قوله تعالى : (يَقُولُونَ : آمَنَّا) فهو كلام مستأنف ، لا ينافي العلم ، فهم يجعلون المحكم هو الأساس ، ويؤمنون بأن كلا من المحكم والمتشابه من عند الله ، وكلاهما حق وصدق ، وكل واحد منهما يصدق الآخر ، ويدل لذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا لابن عباس بقوله : «اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل».
والحكمة من وجود المتشابه مع العلم بأن القرآن نزل هاديا للناس : هو تمييز الصادق الإيمان من ضعيفة ، وبيان فضيلة الراسخين في العلم الذين ينظرون ويبحثون ؛ لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به ، وإن لم يعلموا بحقائق الأشياء ، ولهذا قال تعالى : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) أي إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة ، والفهوم المستقيمة. ووصف النبي صلىاللهعليهوسلم الراسخين في العلم ـ فيما يرويه ابن أبي حاتم عن عبيد الله بن يزيد التابعي الذي أدرك أنسا وأبا أمامة وأبا الدرداء : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن الراسخين في العلم ، فقال : «من برت يمينه ، وصدق لسانه ، واستقام قلبه ، ومن عف بطنه وفرجه ، فذلك من الراسخين في العلم».
ثم ذكر دعاء هؤلاء الراسخين للثبات على فهم المتشابه وهو :
١ ـ (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا ..) الآية ، أي إن الراسخين في العلم المؤمنين بالمتشابه يطلبون من الله الثبات على الهداية ، والحفظ من الزيغ بعد الهداية ،