إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) [الزخرف ٤٣ / ٥٩] وبقوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران ٣ / ٥٩].
وهم يفعلون ذلك أيضا بقصد تأويل القرآن على غير حقيقته ، وتحريفه على ما يريدون ، متبعين أهواءهم وتقاليدهم وموروثاتهم ، وتاركين الأصل المحكم الذي بني عليه الاعتقاد ، وهو عبودية عيسى لله وإطاعته إياه.
روى مسلم عن عائشة رضياللهعنها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلا : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ، مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ، هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) الآية ، ثم قال : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمّاهم الله ، فاحذروهم». وروى ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما تشابه منه ، فآمنوا به».
وما يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، فهو مما استأثر الله بعلمه ، أو ما خالف ظاهر اللفظ فيه المراد منه ، فلا يعلم حقيقته إلا الله.
ويرى جماعة من الصحابة كأبي بن كعب وعائشة وابن عباس وابن عمر الوقوف على لفظ الجلالة ، فلا يعلم تأويل المتشابه إلا الله ، وأما الراسخون في العلم فكلام مستأنف ، يقولون : آمنا به ؛ لأنه تعالى وصفهم بالتسليم المطلق لله تعالى ، والعارف بالشيء لا يعبر عنه بالتسليم المطلق أو المحض.
ويرى جمهرة من الصحابة كابن عباس ، وتبعهم كثير من المفسرين (١) وأهل
__________________
(١) هذا رأي ابن كثير ، وعكس القرطبي الأمر ، فقال : مذهب أكثر العلماء الوقوف التام عند لفظ الجلالة ، وتم الكلام عند قوله : «إلا الله». والراسخون مقطوع مما قبله ، وهو استئناف كلام آخر.