وقوله تعالى عن ذاته : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه ٢٠ / ٥] وقوله : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح ٤٨ / ١٠].
فهذه الآيات تحتمل عدة معان ، ويخالف ظاهر اللفظ فيها المعنى المراد ، فربما وافقت المحكم ، وربما وافقت شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب ، لا من حيث المراد.
فليس لكم أيها النصارى الاحتجاج بأمثال هذه الآيات التي هي من المتشابه الذي يحتمل أكثر من معنى ، وإنما عليكم الوقوف عند محكم التنزيل ، مثل قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ ، وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء ٤ / ١٧٢].
ومعنى المتشابه والمحكم هنا يختلف عن معناه في آيات أخرى ، فقد وصف القرآن كله بالمحكم في قوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [هود ١١ / ١] والمراد أنه ليس فيه عيب وأنه كلام حق فصيح الألفاظ صحيح المعاني ، أحكم نظمه وأتقن ، واشتمل على الحكمة ، ووصف القرآن أيضا بالمتشابه في قوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) [الزمر ٣٩ / ٢٣] والمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق والهداية ، والسلامة من التناقض والاختلاف ، كما قال : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ ، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء ٤ / ٨٢].
فأما الذين في قلوبهم زيغ ، أي ضلال وميل عن الحق إلى الباطل ، فيتبعون أهواءهم ، فيأخذون بالمتشابه الذي يتمسكون به ، ويمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ، ويتركون المحكم الذي لا التباس فيه ، بقصد إيقاع الناس في الفتنة في الدين وإضلال أتباعهم ، إيهاما لهم أنهم يحتجون على مزاعمهم بالقرآن ، وهو حجة عليهم لا لهم ، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وتركوا الاحتجاج بقوله تعالى : (إِنْ هُوَ