قول العدل الواحد ، بل على مطلق الظّن سواء استند إلى تزكية العدل أو إلى سائر الأمارات الاجتهاديّة.
لنا إنّه قد ثبت ممّا حقّقنا سابقا أنّ التّعويل في الأخبار الآحاد على الأخبار الموثوق بصدقها وصحّة صدورها ، ولا ريب أنّ الظّن بعدالة الرّاوي وتحرّزه عن الكذب ممّا يفيد الوثوق بصدق الرّواية ، فيجب التّعويل عليه.
وأيضا : لا خفاء في أنّ التّمييز بين الرّجال مع اشتراكهم بين الثّقة وغيره كثيرا ما يتعذر إلّا باعمال الظّنون والأمارات كملاحظة الطبقة والبلد وكثرة المصاحبة والرواية ، وما أشبه ذلك.
وقد جرت طريقتهم في ذلك على مراعاة هذه الظّنون ، ولم نقف على من يصرّح باعتبار خصوص شهادة العدلين أو العدل الواحد في ذلك.
وصاحب المنتقي مع مصيره إلى أنّ تزكية الرّاوي من باب الشّهادة وأنّه يعتبر فيها التعدّد ، قد عوّل في تمييز المشتركات على أمارات ضعيفة ، كما لا يخفى ... انتهى.
أقول : وأكبر الظّن إنّ الفاضل المامقاني رحمهالله أخذ مختاره الأوّل من هذه العبارة (١) ، ومع هذا نسب إلى صاحبها ما نسب ، فلاحظ. وكيف ما كان ، ليست في هذه العبارة عين ولا أثر من أنّ أقوال علماء الرجال يجب أخذها تقليدا عند العجز عن إحراز الوثاقة والضعف اجتهادا ، بل لا أعلم لهذا القول قائلا لحدّ الآن.
ثمّ إنّ ما أفاده صاحب الفصول من الوجهين يرد على الأوّل منهما أن التعويل على الخبر الموثوق به ـ وإن كان مذهب جمع ـ غير إنّ الأظهر جواز التعويل على خبر الثّقة وخبر الموثق لبناء العقلاء عليه ، وإن لم يكن نفس الخبر موثوقا به.
وأمّا ما أفاده من إفادة الظّن بعدالة الرّاوي وتحرّزه عن الكذب الوثوق بالخبر ، فهو عجيب! فإنّ الظّن بالعدالة يفيد الظّن بالصّدق دون الوثوق والاطمئنان ، وقد مرّ أنّ الظّنّ غير حجّة إلّا ما خرج بالدليل ، وإن أراد بالظّن بالعدالة الوثوق ، فهو ممنوع من أصله كما مرّ.
وأمّا الوجه الثّاني من عمل الأصحاب بالظّن ، ففيه انّه إثبات حجيّة الظّنّ بالإجماع المنقول الظّني ، وهو كما ترى ، ونحن نقول إنّ حصل الاطمئنان أو الحجّة الشّرعيّة فهو ، وإلّا فلا بدّ من التوقّف ، نعم ، ما أفاده من عدم الحاجة إلى تعدّد العدلين صحيح.
__________________
(١) أو من عبارة المحدّث الحرّ من الوسائل : ٢٠ / ١٥ وهي : ثمّ اعلم أنّ توثيق علماء الرجال ليس من باب الشّهادة ... بل هو من جملة القرائن القطعيّة الّتي تدلّ على حال الرجل ... الخ ، مبدلا وصف القطع بالاطمئنان.