واستدلّ للقول المزبور ـ كما في الفصول (١) ـ بقيام الإجماع على ثبوت العدالة بتعديل العدلين ، وانتفاء الدليل فيما عداه فيقتصر عليه ، ويرجع في غيره إلى الأصل. ويظهر ضعفه ممّا سيجيء في القول المختار. وزاد عليه في المعالم بأن تزكية الرّاوي شهادة ومن شأنها اعتبار العدد فيها ، لكنّه غير بيّن ولا مبين ، (٢) أو معلوم العدم.
وإن شئت ، فقل : إنّ الشّهادة فرد من الإخبار المطلق ، إلّا أنّه قد أخذ في خصوصها إنشاء الإخبار بين يدي القاضي عند التّخاصم والتّنازع.
فإذا قال أحد : رأيت اليوم زيدا يقتل أو يزني أو يقول كذا وكذا ، كان إخبارا جزما ، ولكن إذا قاله عند القاضي عند تنازع المتنازعين فهو شهادة ، واعتبار التّعدد في الشّهادة إنّما هو بدليل خاصّ.
ولو قيل : إنّ كلّ خبر شهادة ، قلنا : لا يعتبر فيها التّعدد إلّا في المرافعات عند الحاكم خاصّة.
وأمّا دخولها في الفتوى فليكن مفروغ البطلان ، فإنّ حجّية الفتوى مشروطة بأمور غير ممكنة أو غير موجودة في علم الرجال ، فمنها الحياة ، حيث اتّفقوا ـ سوى جمع شاذ ـ على أنّ تقليد الميت ابتداء غير جائز ، مع أنّه لا إشكال في حجيّة أقوال علماء الرّجال في حقّنا ، وإن كانوا أمواتا ، ومنها الاجتهاد المطلق بداهة عدم جواز تقليد غير المجتهد ، مع أنّه غير ثابت أو ثابت عدمه في حقّ كثير من المعدلين والجارحين ، حتّى أنّ اجتهاد مثل : الكشّي والنجّاشي غير ثابت وهما من أركان هذا العلم وأقطابه ، بل بهما أساسه وقوامه ، والمتّيقّن تحقّق هذا الشّرط في الشّيخ الطّوسي والعلّامة وأضرابهما ، على أنّ التزكية فضلا عن التّحسين ليست من الأمور الحدسيّة الاجتهاديّة كما ستعرف. ومضافا إلى أنّ مورد الاجتهاد هو الأحكام الكليّة والموضوعات المستنبطة دون الموضوعات الخارجيّة الجزئيّة.
ونسبة الفاضل المامقاني هذا القول إلى المحقّق الجليل صاحب الفصول رحمهالله غير صحيحة. وإليك بعض عبارة الفصول :
فالمختار عندي جواز التعويل في تعديل الرّاوي أو إثبات تحرّزه عن الكذب على
__________________
(١) بعد بحث حجيّة خبر الواحد بأربعة عشر ورقا تقريبا.
(٢) وأمّا اعتبار الإيمان وأصل العدالة في الرّاوي ، كما هو خيرة صاحب المعالم ونسبه إلى المشهور ، فسيأتي بحثه عند الكلام في شروط الرّاوي في بحث مستقل إن شاء الله ، وستعرف أيضا في محلّه أنّ إثبات عدالة الرّواة ، ولو بخبر صادق واحد ، غير ممكن في الغالب ؛ لعدم دلالة كلمة الثّقة على العادل خلافا لجمع.