أتذكّر موردا ناقش في حجيّة مضمراته ، لكن رأيت بعد ذلك في تقريرات درسه لبعض تلاميذه أنّه استشكل فيها. قال : وللمناقشة في سندها مجال ؛ لأنّ مضمرها ـ وهو سماعة ـ ليس كزرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما من الأجلّاء والفقهاء الّذين لا يناسبهم السؤال عن غير أئمتهم عليهمالسلام ، بل هو من الواقفة ومن الجائز أن يسأل غير أئمتنا عليهمالسلام. (١)
١٠. قال الشّهيد الثّاني في درايته : وجوّز الأكثر العمل بالخبر الضعيف في نحو القصّص والمواعظ وفضائل الأعمال ـ لا في نحو صفات الله المتعال وأحكام الحلال والحرام ـ وهو من حيث لا يبلغ الضعف حدّ الوضع والاختلاق ، لما اشتهر بين العلماء المحقّقين من التسامح بأدلّة السنن. لما ورد عن النّبيّ صلىاللهعليهوآله من طريق الخاصّة والعامّة أنّه قال : من بلغه عن الله تعالى .... (٢)
ويقول ابن حجر من أهل السنة في كتابه تطهير الجنان واللسان (٣) الّذي ألفه للدفاع عن سيّده معاوية بن أبي سفيان حشره الله معه : الّذي أطبق عليه أئمتنا الفقهاء والاصوليون والحفّاظ أن الحديث الضعيف حجّة في المناقب ، كما أنّه ثمّ بإجماع من يعتدّ به حجّة في فضائل الأعمال ... لكن شرطه على الأصح أن لا يشتد ضعفه.
أقول : أمثال هذه الكلمات هي الّتي روّجت سوق الإخبار الكاذبة والأحاديث الجعليّة والتصوّف فضلّوا وأضلّوا ، وأين هذا من قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...). وقوله تعالى : (لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ...) ، ولعلّ مراد الشّهيد رحمهالله من الأكثر هم الّذين ذكرهم ابن حجر فليسوا منا.
وعلى كلّ لا يجوز العمل بالضعاف مطلقا ، حتّى في المستحبّات والمواعظ ، فضلا عن القصص ، ولا يجوز إسناد مضامينها إلى الشّارع بوجه ، فما شاع من التسامح بأدلّة السنن غير مدلّل ، وأخبار (من بلغ) لا تثبت حجيّة الإخبار الضعيفة ، بل ترشد إلى ترتّب الثواب على العمل المأتي به بعنوان الاحتياط ورجاء الثواب.
ففي صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه ، كان له ، وإن لم يكن على ما بلغه.» (٤)
__________________
(١) التنقيح : ٤ / ٢٨٦.
(٢) الدراية : ٢٩.
(٣) تطهير الجنان واللسان : ١٣.
(٤) جامع الأحاديث : ١ / ٤٠٩ ؛ وبحار الأنوار : ٢ / ٢٥٦. ويمكن إرادة من أتى بالعمل غفلة أو جهلا ، لا مع