أخيه ) (١).
فلما علم أني علمت بذلك ، ووقفت على سلوكه في تلك المسائل ، كتب إليّ رقعة طويلة الذيل ، مشحونة بالندم والويل ، يطلب فيها الرضا ، ويلتمس الإغماض عمّا مضى.
فكتبت اليه في الجواب : جزاك الله خيراً فيما أهديت إليّ من الثواب ، وثَقّلت به ميزان حسناتي يوم الحساب ، فقد روينا عن سيد البشر ، والشفيع المشفع في المحشر أنه قال :
( يجاء بالعبد يوم القيامة ، فتوضع حسناته في كفة ، وسياته في كفة ، فترجح السيئات فتجيء بطاقة فتقع في كفة الحسنات فترجح بها. فيقول : يارب ماهذه البطاقة؟!! فيقول عزّوجل : هذا ما قيل فيك وأنت منه بريء ).
فهذا الحديث قد أوجب بمنطوقه عليّ أن أشكر ما أسديته من النعم إليّ ، فكثّر الله خيرك وأجزل مبرك.
مع أني لو فرض أنّك شافهتني بالسفاهة والبهتان ، وواجهتني بالوقاحة والعدوان ، ولم تزل مصراً على شناعتك ليلاً ونهاراً ، مقيماً على سوء صناعت كسراً وجهاراً ، ما كنت اُقابلك إلا بالصفح والصفا ، ولا اُعاملك إلا بالمودة والوفاء ، فإنّ ذلك من أحسن العادات ، وأتم السعادات ، وإن بقيت مدة الحياة اعز من أن تصرف في غيرتدارك ما فات ، وتتمة هذا العمر القصير لاتسمع مؤاخذة احد على التقصير (٢).
نعم هذه أخلاق لومزجت بها البحر لعذب ماؤه طعماً.
وكان ذلك من بواعث تنغيص عيشه ، وتكدير صفو حياته أحياناً ، وطالما نفّس عن كربه بالعزلة أو بالسياحة والرحلة.
__________________
(١) الحجرات ، مدنية ، ٤٩ : ١٢.
(٢) الكشكول ١ : ٢١٠ / سلافة العصر : ٢٩٢.