ومنار المتقين ، كان عابدا وفياً ، وجواداً حفياً ، ... كان إذا فرغ من وضوئه للصلاة ، وصار بين وضوئه وصلاته ، أخذته رعدة ، ونفضته ، فقيل له في ذلك.
فقال : ( ويحكم ، أتدرون إلى من أقوم؟ ومن اُريد اُناجي؟!! ) » (١).
وهذا قول ابن الجوزي في كتابه : « كان ـ علي بن الحسين ـ لايحب أن يعينه أحد على طهوره ، وكان يستقي الماء لطهوره ، ويخمِّره قبل أن ينام ، فإذا قام من الليل بدأ ـ بالسواك ، ثم يتوضأ ، ثم يأخذ في صلاته ... » (٢).
وكان الزهري إذا ذكر الإمام يبكي ويقول : « زين العابدين!! » (٣).
هذا غيض من فيض ، ومن هنا نعلم سر ما في هذه الأدعية التي رويت عنه عليهالسلام من التأثير في النفوس ، والنفوذ إلى العقول ، والسموّ بالروح البشرية إلى العلا.
إنَّها الواقعية ، إنَّها الترجمة اللفظية الحقيقية لما يريده الباري عزَّ وجلَّ من الإنسان في سيره التكاملي ، هذا دعاء مكارم الأخلاق ، هذا دعاؤه لأبويه ، هذا دعاؤه ، هذا دعاؤه ، هذا ... ، هذا ... ، هذا ...
ومن هنا نعلم سر تسميتها بإنجيل أهل البيت ، وبزبور آل محمد (٤) عليهمالسلام.
من نُقل عنه ما نقل عن الإمام من الدعاء ـ من معاصريه من الزهّاد والفقهاء وغيرهم ـ بلاغة ، ومعنوية ، وتأثيراً في النفوس؟.
ما ذاك إلَّا للزهد الواقعي ، والطهارة الواقعية ، والتقوى لله في السر والعلن واقعاً ، ... و ... و ... و.
والحاصل : أنه كان أفضل أهل زمانه وأعلمهم ، وأفقههم ، وأورعهم ، وأعبدهم ، وأكرمهم ، وأحلمهم ، وأصبرهم ، وأفصحهم ، وأحسنهم أخلاقاً ،
________________________
(١) حلية الأولياء ٣ : ١٣٣ / ٢٢٩.
(٢) صفوة الصفوة ٢ : ٩٥.
(٣) حلية الأولياء ٣ : ١٣٣.
(٤) أول من أسماها بهما هو ابن شهر آشوب المتوفى سنة٥٨٥ في « معالم العلماء » في ترجمة متوكل بن عمير ، ويحيى بن علي بن محمد الحسيني.