والاكتفاء بالكسرة منها ، وإذا كان مضافا إلى غائب كان منصوبا وكذلك إذا كان منكورا ، فلما كان الفتح والكسر له في غير حال البناء فبني ، جعل له في حال البناء من الحركات ما لم تكن له في غير حال بنائه.
فإن قال قائل : إذا زعمتم أن المنادى المفرد المعروف وجب بناؤه ، لأنه مخاطب وأسماء الخطاب مبنيّات ، أو لأن المنادى كمن جر به ، فقد لزمكم بهذا الاعتلال أن تبنوا المضاف والمنكور في النداء في قولك : يا" عبد الله أقبل" ، و" يا راكبا عرّج" ؛ لأنهما قد وقعا الموقع الذي ذكرتموه.
ففي ذلك جوابان :
أحدهما : أن المنادى المفرد مع وقوعه الموقع الذي وصفناه إنما بني لأنه في التقدير بمنزلة" أنت" ، و" أنت" لا يكون إلا معرفا غير مضاف ، فخرج المنكور والمضاف من شبه المكني الذي يوجب شبهه بناء المفرد.
والجواب الثاني أنّ المفرد يؤثر فيه النداء حتى يكون معرفة به ، كقولك" يا رجل" إذا قصدت واحدا بعينه صار معروفا بالنداء ، لإقبالك عليه وقصدك إياه بحرف النداء كما قال الأعشى :
قالت هريرة لما جئت زائرها |
|
ويلي عليك وويلي منك يا رجل (١) |
وإنما قصدت قصده ، والمضاف والمنكور لا يغيرهما النداء ولا يحيلهما عن حالهما إلى غيره ، لأنك إذا قلت : " يا عبد الله" و" يا راكبا" فعبد الله معرفة بالإضافة لا بالنداء ، وراكبا منكور على حاله فلمّا لم يؤثر النداء في نفس معناهما لم يؤثر في بنائهما.
فإن قال قائل : أمّا رجل وسائر المنكورات ، فقد علمنا أنّه يصير معرفة بالنداء إذا قصد قصده ، فما الدليل على بناء زيد وسائر المعارف المفردة قبل النداء؟
قيل له : المعارف المفردة كلها إذا نوديت نكرت ، ثم تنادى فتكون معارف بالنداء فهذا قول أبي العباس محمد بن يزيد ، وقد أنكر عليه ابن السراج هذا وزعم أنه قول فاسد من قبل أنه قد وقع في الأسماء المفردة ما لا يشاركه غيره في اللفظ نحو : فرزدق ، وغير ذلك من الأسماء المفردة ، وزعم أن تنكير اللفظ هو أن تجعله من أمة كل واحد منهم له
__________________
(١) البيت في ديوانه ٥٧.