لهذا الاعتلال الذي أورده.
قال أبو سعيد : والوجه الذي ذهب إليه سيبويه عندي صحيح وهو غير مشبه لما شبهه به أبو العباس ، وذلك أن لم وغيرها من الحروف التي تغير الألفاظ وتدخل له لا يصلح دخولها إلا مغيّرة ، ولو كانت" إن" هي التي غيّرت اللفظ ، وقلبت المستقبل إلى الماضي لما جاز أن يوجد إلا كذلك ، لأن هذا بمنزلة عمل تعمله وتأثير تؤثره ، فلا تدخل إلا كذلك ، كما أنّ" لم" إذا دخلت على الفعل الماضي ، لم يصح أن يبقى على مضيه وقلبته إلى المستقبل ، فاعرف فرق ما بينهما إن شاء الله.
قال سيبويه : ولم يسكنوا آخر الحروف ، وهو يعني آخر الفعل الماضي ؛ لأن فيها بعض ما في المضارعة ، تقول : " هذا رجل ضربنا" فتصف بها النكرة وتكون في موضع ضارب إذا قلت : " هذا رجل ضارب" وتقول : " إن فعلت فعلت" فتكون في موضع : " إن تفعل أفعل" ، فهي فعل ـ يعني الماضي ـ كما أن المضارع فعل وقد وقعت موقعها في أن ووقعت موقع الأسماء في الوصف كما تقع المضارعة.
قال (أبو سعيد) : وقد مضى تفسيرها بما فيه.
قال سيبويه : " ولم يسكّنوها كما لم يسكّنوا من الأسماء ما ضارع المتمكن ولا ما صير من المتمكن في موضع ، بمنزلة غير المتمكن".
قال أبو سعيد : قوله ، فلم يسكّنوها ، يعني لم يسكّنوا الأفعال الماضية كما لم يسكّنوا من الأسماء التي حكمها البناء ما كان مضارعا للمتمكن ولا ما كان متمكنا في حال ثم بني لعلة داخلة.
فإن قال قائل : ولم لم يسكّنوا من الأسماء المبينة ما ضارع المتمكن منها ، أو ما كان متمكنا في حال؟ قيل له من قبل أن الأسماء في حكمها أن تكون معربة كما تقدم من تفسير ذلك ، وقد تدخل بعضها علل وتخرجها عن حكمها إلا أن ذلك البعض الذي يدخله من الحال ما يوجب بناءه ينقسم قسمين :
أحدهما : لم يوجد قط إلا في الموضع الذي ثبت بناؤه فيه. والآخر : قد كان معربا في حال ثم وجب بناؤه في حالة ثانية ، ففرق بينهما فيما يبنى عليه لأن الذي قد كان معربا في نفسه أشد تمكنا بزواله عن البناء في حال أخرى ، وأعطي في حال البناء إذا كان قد يزول عنها فضيلة على المبني الذي لا يزول لما فيه من التمكن.