" أعشرون غلاما لك"" أثلاثون مالك؟ " فتغنى عن حرف الاستفهام والاسم الذي بعده.
والثاني : أنها تقع في الخبر موقع ربّ ، وربّ حرف فضارعتها كم في الخبر فبنيت وهي ـ أعني وكم ـ في هذين الموضوعين تقع صدر الكلام ؛ لأنها وقعت موقع شيئين يقعان صدر الكلام إلا أنها وإن وقعت موقع ربّ فإنها نقيضة ربّ في القلة والكثرة ، لأن ربّ يقلل بها ما بعدها ولم يكثر بها ما بعدها ، فإن قال قائل : لم وقعت رب في صدر الكلام وهي من حروف الجر ، وحروف الجر لا يقعن صدرا لأنهن يوصلن الأفعال إلى ما بعدهن؟ فالجواب في ذلك وبالله التوفيق ، أن رب قد ضارعت حرف النفي وهي لا التي تنفي الجنس ومضارعتها إياها أنها تقلل ، والتقليل يشبه النفي فجعلت صدرا كما جعلت لا صدرا.
ومما يدل على أن التقليل يشبه النفي أنهم قد يستعملون التقليل في معنى النفي البتة ، من ذلك قولهم : " قل من يقول ذلك إلا زيد"" وأقل رجل يفعل ذلك إلا زيد" يريدون لا يقولون ذاك ولا يفعل ذاك إلا زيد.
وقال الشاعر :
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة |
|
قليل بها الأصوات إلّا بغامها (١) |
أراد ليس بها أصوات إلا بغامها. فإن قال قائل : ولم جعلتم كم بمحل رب واقعة موقعها وقد زعمتم أنهما نقيضتان؟ فالجواب في ذلك أن كل جنس فيه قليل وكثير لا يخلو جنس من ذلك ، فالجنس يشمل القليل والكثير ويحيط بهما ويقعان تحته فليس يخرج أحدهما كثرته من جنس الآخر ؛ لأنهما معا يقعان تحت كل جنس ؛ ولأن الكثير مركب من القليل ؛ والقليل بعض الكثير.
ولكم أحكام ستبين في مواضعها ، إلا أن الغرض المقصود هاهنا الإبانة من علة بنائها ، وقد أبنّاها.
وأما قط فهي مسكنة مبنية على ذلك ، والذي أوجب بناءها على ذلك أنها اسم وقع موقع فعل الأمر في أول أحواله ، وفعل الأمر مبني على السكون فبني قط لذلك ، وذلك قولك : قطك درهمان ؛ يريد ليكفك درهمان واكتف بدرهمين ، ونحو ذلك من
__________________
(١) البيت لذي الرمة في ديوانه ٦٣٨ ، وسيبويه ١ / ٣٧٠.