صغرنا اسما على أقل من ثلاثة أحرف رد التصغير الحرف الذاهب ، فلما صغرنا" ذا" لم يكن بد من تتمة ثلاثة أحرف وتحريكهن ، ولم تكن هذه الألف بأضعف من حرف ليس في الاسم يرده التصغير ويوجب تحريكه ، فكأنما جعلناه بمنزلة حرف معدوم فرده التصغير وحركه ، ولا توجب التثنية ذلك ، ألا تراهم قالوا : يد ، ويدان ، وقالوا : يديّة ، وقالوا : دم ، ودمان ، ودمي.
فإن قال قائل : لم أجمعوا في تثنية المؤنث على إحدى اللغات الثلاث ، فقالوا : تان. فالجواب في ذلك أنهم لو قالوا تان وذان في تثنية ذي التبس المذكر بالمؤنث في لغة الذين يقولون ذي ، فاستعملوا في التثنية لغة الذين يقولون : تا ، لزوال اللبس وإيضاح المقصود بالتثنية.
فإن قال قائل : فلم استوى المذكر والمؤنث في قولك : أولاء عند الإشارة؟
فالجواب في ذلك أن أولاء وقع على جمع أو جماعة ، فكأنه قال : أشير إلى هذه الجماعة ، أو إلى هذا الجمع ، فلما كانت في مذهب الجمع والجماعة ، وكان الجمع والجماعة يقع على الرجال والنساء والحيوان والجماد والمذكر والمؤنث والأجسام والأعراض وقع على ذلك كله أولاء وهؤلاء ، فاستوى المذكر والمؤنث ، قال جرير :
دم المنازل بعد منزلة اللوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيام (١) |
وقال بعض الأعراب :
ياما أميلح غزلانا شدن لنا |
|
من هؤليائكن الضال والسمر (٢) |
فجاء بأولاء للأيام وللضال والسمر ، ومما يشبه هذا المعنى أن جمع المذكر والمؤنث إذا كان مكسرا فهو مؤنث ولا يختلف باختلاف واحده ؛ لأنه ذهب بهما مذهب الجماعة ، فكذلك ذهب بالإشارة مذهب الجماعة والجمع ، فاعرف ذلك إن شاء الله.
فإن قال قائل : فلم دخلت النون في تثنية : ذا ، فإن في ذلك جوابين ، أحدهما : أن النون عوض مما حذف لالتقاء الساكنين وهو الألف التي كانت في ذا ، وكذلك المبهمات
__________________
(١) قائله : جرير ، ديوانه ٥٥١ ، الخزانة ٢ / ٤٦٧.
(٢) اختلفوا في نسبته. شرح ابن يعيش ١ / ٧٣ ، الخزانة ١ / ٤٧.