حرف الجزاء فيه ، وذلك أنك إذا قلت : أين زيد آته ، فكأنك قلت : أين زيد إن أعرف مكانه آته ، ففي أيّ مكان كان وجب عليك إتيانه بعد معرفته ، وكذلك إذا قلت : أين تكن أكن ، كأنك قلت : إن تكن في السوق أكن فيها ، أو تكن في مكان غيرها أكن فيه ، فلمّا كانت مشتملة على الأسماء التي تقع بعد حرف المجازاة جاز أن يجازي بها ، إذا كانت مساوية لها. وأما كيف فلا يقع إلا على نكرة ، ولا يكون جوابها إلا نكرة ، فخالفت حروف الجزاء فيما يقع عليه فلم يجاز بها لقصورها عن بلوغ معاني حروف الجزاء ، فهذه علة أبي العباس.
والجواب الثاني : أنك إذا قلت : " أين يكن زيد أكن" ، فقد شرطت على نفسك أنك تساويه في مكانه ، وتحل في محله ، وهذا معنى ممكن غير متعذر وقوع الشرط عليه ، وإذا قلت : " كيف تكن أكن" ، فقد ضمنت أن تكون عن أحواله وصفاته كلها ، وهذا متعذر وقوعه ، وبعيد اتفاق شيئين من جميع جهاتهما في جميع أوصافهما.
قال سيبويه : " والكسر فيها نحو ألاء وحذار وبداد".
قال أبو سعيد : يعني الكسر في الأسماء المبنية ، فأما ألاء : ففيه ثلاث لغات أشهرها ألاء ممدود مكسور على مثال غراب ، وألى مقصور على وزن هدى وقد زادوا فيه هؤلاء.
فإن قال قائل : لم وجب الكسر في ألاء؟ قيل له : في ذلك وجهان : أحدهما أنه إشارة إلى ما بحضرتك مادام حاضرا فإذا زال لم يسمّ بذلك ، والأسماء موضوعة للزوم مسمياتها ، ولما كان لهذا غير لازم لما وضع له صار بمنزلة المضمر الذي يعتقب الذكر إذا جرى ولا يؤتى به قبل ذلك ، فهو اسم المسمى في حال دون حال ، فلما وجب بناء المضمر وجب بناء المبهم لذلك.
فإن قال قائل : فأنت إذا قلت متحرك وساكن وآكل وشارب ، فإنما يقع هذا الاسم عليه في حال أكله وشربه وحركته وسكونه ، فإذا زال عن ذلك لم يسم به ، فكذلك المشار إليه يسمى بأسماء الإشارة ما دام حاضرا فإذا زال لم يسم بها ، فلم بال أسماء الإشارة وفيها ما في المتحرك والساكن من زوال التسمية عنه إذا زال عن الفعل؟ قيل له : الفصل بينهما أن المتحرك والساكن اسمهما لازم لهما في كل أحد حاضر وغائب ، والمشار إليه لا يجوز أن يقول له" هذا" إلا من كان حاضرا ، ومن غاب عنه لم تسمه بذا ، فعلمنا أن هذا الاسم غير لازم له فصار بمنزلة الضمير الذي يضمره من ذكر الاسم إذا ذكر عنده ولا