قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

شرح كتاب سيبويه [ ج ١ ]

شرح كتاب سيبويه [ ج ١ ]

355/504
*

عظّمه غيره ، فصار بما عظموه عظيما ، وهو تبارك وتعالى عظيم ، لا بأحد أصاره إلى العظمة.

وفيه وجه رابع : وهو أن الألفاظ الجارية منا على معان ، لا تجوز على الله تعالى ، فإذا رأينا تلك الألفاظ مجراة عليه حملناها على ما يجوز في صفاته ويليق به. ألا ترى أن الامتحان منا والاختبار إنما هو بمنزلة التجربة ، وإنما يمتحن ويختبر منا من يريد أن يقف على ما يكون ، وهو غير عالم به ، والله تعالى يمتحن ، ويختبر ويبلو بمعنى الأمر ، لا بمعنى التجربة ، وهو عالم بما يكون.

ومن ذلك أن" لعل" يستعمله المستعمل منا عند الشك ، وإذا جرى في كلام الله ، فإنما هو بمعنى" كي" و" كي" يقع بعدها الفعل الذي هو غرض ما قبله كقوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(١) معناه : كي تفلحوا. فالفلاح هو الغرض الذي من أجله أمرهم بالتوبة. ومثل هذا كثير.

فيكون قولنا في الله : " ما أعلمه ، وما أعظمه" بمنزلة الإخبار منا بأنه عظيم ، ولا يقدر فيه شيء أعظمه ، وإن كان تقديره في غيره على ما ذكرنا من الجواب الرابع.

وقال الفراء ومن تابعه من الكوفيين : إن قولنا : " ما أحسن عبد الله" ، أصله" ما أحسن عبد الله" ، وأن" أحسن" اسم كان مضافا إلى" عبد الله" ، وكان المعنى فيه الاستفهام. ثم إنهم عدلوا عن الاستفهام إلى الخبر ، فغيروا" أحسن" ففتحوه ، ونصبوا" عبد الله" ، فرقا بين الخبر والاستفهام.

وهذا قول لا دليل عليه ، وهو أيضا يفسد ؛ لأنه يقال : بأي شيء نصبت أحسن ، و" ما" هي مبتدأه ، و" أحسن" خبرها ، وهو اسم ، وحكم الاسم المبتدأ إذا كان خبره اسما مفردا أن يكون مرفوعا مثله ، والتفريق بين المعاني لا يوجب إزالة الإعراب عن وجهه ، ومن ذلك أنا نقول : " ما أحسن بالرجل أن يصدق" ، ولو كان أصله الإضافة لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه" بالياء" ، ألا ترى أنا نقول : " ما أحسن بالرجل الصدق".

واحتج القائل بأن" أحسن" اسم بقول العرب : " ما أحيسن زيدا" كما قال الشاعر :

__________________

(١) سورة النور ، آية : ٣١.