فإن قال قائل : لو كان زوال الجر عن الاسم الذي لا ينصرف ، لما ذكرت من الثقل ، لكان الرفع أولى بزواله عنه ؛ لأن الضم أثقل من الكسر.
فيقال : ليس كون الضم أثقل من الكسر بمانع أن يدخل الضم ما لا يدخله الكسر ؛ لأن الفعل أثقل من الاسم ؛ ولذلك نقص عن حركاته وتنوينه ، ويدخله الضم ، ولا يدخله الكسر ، وكذلك ما شبه به ، وجرى مجراه في الثقل ، وأعطى لفظه حركات الفعل لمشاكلتهما في الثقل.
ثم نرجع إلى الفصل الذي قدمنا من كلام سيبويه :
قوله : " اعلم أن ما ضارع الفعل المضارع من الأسماء في الكلام ، ووافقه في البناء" ، أراد به باب" أفعل" الذي مؤنثه" فعلاء" ، وهو اسم مضارع للفعل ، ومضارعته أنه صفة والفعل يوصف به أيضا ، كقولك : " مررت برجل أحمر" و" مررت برجل يأكل" ، ويضارعه أيضا أن الفعل لا يكون إلا بفاعل ، والنعت لا يحسن إلا بمنعوت ، ومشاركته له في البناء أن" أحمر" الهمزة فيه زائدة ، كما هي زائدة في" أذهب" ووزنها" أفعل".
وقوله : " أجرى لفظه مجرى ما يستثقلون" ، يعني لفظ" أحمر" وبابه ، مجرى الفعل وهو ما يستثقلون ، و" منعوه ما يكون لما يستخفون" يعني منعوه التنوين والجر ، الذي يكون للاسم المستخف.
وقوله : " وذلك نحو : أبيض وأحمر وأسود ، فهذا بناء : أذهب ، وأعلم".
وقوله : " فيكون في موضع الجر مفتوحا" ، يعني فيكون الاسم الذي لا ينصرف في موضع الجر مفتوحا ، ولا يجوز أن يقال : فيكون في موضع الجر منصوبا ؛ لأن هذه الفتحة لم يحدثها في هذه الحال عامل النصب ، وإنما حمل الجر على النصب في هذا الموضع ، إذ قد سقط لفظه ، لما قدمنا ذكره من مشاكلة الفعل ، فاحتيج إلى حمله على غيره. وكان حمله على النصب أولى ؛ لما بينهما من المشاكلة التي أنبأها في الموضع الذي ذكرنا فيه حمل النصب على الجر في تثنية الأسماء وجمعها.
وقال سيبويه : " وأما مضارعته في الصفة".
يعني مضارعة" أحمر" الفعل في كونه ، أعني كون" أحمر" صفة.
" فإنك لو قلت : أتاني اليوم قوي ، أو ألا باردا ، ومررت بجميل ، كان ضعيفا ، ولم يكن في حسن : أتاني رجل قوي ، وألا ماء باردا ، ومررت برجل جميل".