وأما كسر الحرف الساكن ، فقول النابغة :
أزف التّرحّل غير أن ركابنا |
|
لم تزل برحالها وكأن قد (١) |
والآخر من وجهي كسر النون ، هو الفصل بين حركة النون الداخلة على المثنى وحركة النون الداخلة على الجمع ؛ وذلك أنهم لما فصلوا بين الحروف الداخلة على التثنية والجمع باختلاف حركات ما قبلها واختلافها في أنفسها ؛ كقولك في التثنية مسلمين وفي الجمع مسلمين فصلوا بين النونين أيضا ، فكسروا نون الاثنين ، وفتحوا نون الجمع.
فإن قيل : فإذا كان الأمر على ما وصفت ، فلم وجب أن يكون الكسر لنون الاثنين والفتح لنون الجمع دون أن يكون الأمر على الضد من هذا؟
قيل له : لما كانت حركة النون فتحة أو كسرة ، وكانت الكسرة أثقل من الفتحة والجمع أثقل من التثنية ، جعلوا الأثقل للأخف ، والأخف للأثقل ؛ حتى يعتدلا ، ولا يجتمع عليهم في شيء واحد أثقال مترادفة.
ووجه ثان : وهو أن الجمع يقع فيه واو مضموم ما قبلها وياء مكسور ما قبلها علامة له ، فلو كسرت النون فيه لخرجوا في حال الرفع من واو مضموم ما قبلها إلى كسرة ، وليس في كلامهم الخروج من ضمة إلى كسرة إلا فيما لم يسم فاعله من الأفعال ، كقولك : " ضرب وشتم" وهذا مستثقل قليل منفرد به هذا البناء ، ولخرجوا في حال النصب والجر من ياء مكسور ما قبلها إلى كسرة ، فكان يتوالى عليهم ما يستثقلون ، فكانت الفتحة أخف عليهم في البناء الأثقل لما وصفنا ، ولم يضموا النون لأن الضمة أثقل الحركات ، وقد استغنوا عنها بالحركتين الأخريين.
فإن قال قائل : قد ذكرت أن حروف التثنية لا تدخلها الحركة وأنت تقول : " رأيت عبدي الله" و" مررت بعبدي الله" وتقول في الجمع أيضا : " هؤلاء مصطفو" القوم" وبعضهم يقول" مصطفو القوم" ومررت" بمصطفي القوم" فحركت هذه الحروف بالضم والكسرة مع القول الذي قدمته. فإن الجواب في ذلك أن هذه الحركات هي عارضة ، وقد قلنا إن ما أوجبه من التحريك ساكن من كلمة أخرى غير معتد به في حكم تغير الحرف ، كقولك : " لم يقل القاسم" والواو والياء إذا انفتح ما قبلهما خف ضمهما وكسرها فلذلك
__________________
(١) ديوانه ٣٠.