فإن قال قائل : يكون فيه ضمير المصدر كما أضمر في قيل وقال؟
فإن قال قائل : إذا فرقتم بين اللامين بالكسر والفتح ، فلم صارت لام المستغاث به أولى بالفتح من لام المستغاث له؟
فالجواب في ذلك : أن ما يحكى تدخل عليه العوامل ، ولا تدخل عليه الألف واللام ؛ لأن العوامل لا تغير معاني ما تدخل عليه ، كتغيير الألف واللام ، ألا ترى أنّا نقول : نصبنا اسم إن بإن ، ورفعنا بكان ، ولا نقول : نصبنا بالإن ، ورفعنا بالكان.
وأما ما شبّهه به من نهيه عليهالسلام عن قيل وقال ، فغير مشبه له ؛ لأنه حكاية والحكايات تدخل عليها العوامل فتحكى ، ولا تدخل عليها الألف واللام ، ألا ترى أنك تقول : " مررت بتأبط شرا" و" برق نحره". ولا تقول : " هذا التأبط شرا". وإنما حكي : قيل وقال عندي ، من قبل أن فيهما ضميرا قد أقيم مقام الفاعل ، ومتى ورد الفعل ومعه فاعله ، حكي لا غير ، كما ذكرنا في : " تأبط شرّا" و" برق نحره".
وأما ما ذكره من الراح والرياح ، وأن أصله : " أوان" فليس ذلك تعليلا لبنائه على الفتح. وإنما كلامنا في بنائه.
ومن ذلك : " شتّان" وهو مبني على الفتح ، ومعناه : بعد كقولك : " شتان زيد وعمرو" ، من الشّتّ ، وهو التفريق والتباعد ؛ يقال : " شتّان زيد وعمرو و" شتّان ما زيد وعمرو" ، فمعناه : تباعد وتفرق أمرهما.
قال الشاعر :
شتّان هذا والعناق والنّوم |
|
والمشرب البارد في الظلّ الدّوم (١) |
ويروى : في ظلّ الدّوم. وقال الأعشى :
شتّان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيّان أخي جابر (٢) |
وكان الأصمعي يأبى : " شتان ما بين زيد وعمرو" وينشد بيت الأعشى الذي ذكرناه ، ويرد قول ربيعة الرقي ، ويقول : ليس بحجة ، وهو قوله :
__________________
(١) البيتان بلا نسبة في شرح ابن يعيش ٤ / ٣٧ ، ولسان العرب (دوم).
(٢) انظر : ديوانه ق ١٨ / ص ١٤٧ ، وشرح ابن يعيش ١ / ٥٠٢.