قال : ودموع عمر تسيل على خدّيه ولحيته
وهو يصرف وجهه عنها .
قال حميد بن مسلم : كأنّي أنظر إلى
الحسين عليهالسلام وهو قائم
وعليه جبّة خزّ وقد تحاماه النّاس ، فنادى شمر : ويلكم ، اقتلوه ، ثكلتكم أمّهاتكم
».
فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى
فأهوى إليه الحسين بسيفه فبرا حبل عاتقة وخرّ صريعاً ، فأومأ إليه آخر بسيف وضربه
على كتفه الشريف ضربة كبا منها على وجهه ، فطعنه سنان النخعي في ترقوته ثمّ انتزع
الرمح وطعنه ثانية في فؤاده ورماه بسهم في نحره فسقط وجلس قاعداً.
فقال عمر بن سعد لعنه الله لرجل عن
يمينه : ويحك ، انزل إلى الحسين فأرِحه ، فقد قطع نياط قلوبنا بأنينه.
فابتدر خوليّ ليحتزّ رأسه فأرعد. قيل : فجاء
سنان والشمر لعنه الله والحسين بآخر رمق يلوك لسانه من شدّة الظمأ ، فرفسه الشمر
لعنه الله برجله وقال : يا ابن أبي تراب ، ألست تزعم أن أباك على حوض النبي يسقي مَن
أحبّه ، فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده.
وروى هلال بن نافع قال : كنت حاضراً يوم
الطف إذ صرخ صارخ : أبشر أيّها الأمير ، فهذا الشمر قد قتل الحسين.
قال هلال : فخرجت لأنظر إليه فوقفت عليه
وهو يجود بنفسه ، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً ، ولقد
شغلني نور وجهه وجمال هيبته عن الفكرة في قتلته ، فسمعته في تلك الحالة يستسقي ماء
، فقال له رجل : لا تذوق الماء أو ترد الحامية فتشرب من حميمها ! فسمعته يقول : « أنا أرد الحامية ؟!
إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، بل أرد على جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأشرب من كأسه من ماء غير آسن ، وأشكو إليه ما صنعتموه بي وما ارتكبتموه منّي ».
قال : فغضبوا حتّى كأنّ الله لم يجعل في
قلوبهم من الرحمة شيئاً.
__________________