غيره ».
ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كأنّه ميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلما امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عرفت الحمرة في السماء حتّى رمى الحسين عليهالسلام بدمه ، ثمّ وضع يده ثانية فلّما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته وقال : « هكذا ألقى الله وأنا مخضب بدمي مغصوب علَيّ حقي وأقول : يا جدّاه ، قتلني فلان وفلان ».
ثمّ ضعف عن القتال ، وكلّما أتاه رجل انصرف عنه كراهية أن يلقى الله بدمه حتّى أتاه رجل من كنده يقال له « مالك بن النسر » لعنه الله ، فشتم الحسين عليهالسلام وضربه بالسيف على رأسه الشريف فقطع البرنس ووصل السيف إلى فرقه فامتلأ البرنس دماً ، فقال له الحسين عليهالسلام : « لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين ». ثمّ رمى البرنس عن رأسه واستدعا بخرقة وشدّ بها رأسه ، ولبس قلنسوة واعتمّ عليها (١).
قال : ثمّ انهم لبثوا هنيئة ثمّ داروا عليه وأحاطوا به ، فخرج عبد الله بن الحسن عليهالسلام وهو غلام لم يراهق ، فخرج من عند النساء يشتدّ حتّى وقف إلى جنب الحسين عليهالسلام ، فلحقته زينب لتحبسه ، فقال الحسين عليهالسلام لها : « احبسيه يا أختاه ». فأبى وامتنع امتناعاً شديداً وقال : لا والله لا أفارق عمّي الحسين. فأهوى أبجر بن كعب ـ وقيل : حرملة الأسدي ـ إلى الحسين بالسيف فاتّقاها الغلام وقال : ويلك يا ابن الخبيثة ، أتقتل عمّي ؟ وتلقّى السيف بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة ، فنادى الغلام : يا عمّاه. فأخذه الحسين عليهالسلام وضمّه إلى صدره وقال : « يا ابن أخي ، اصبر على ما نزل بك ، فإنه بعين عناية الله ، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين ».
__________________
(١) رواه الخوارزمي في المقتل : ٢ : ٣٤ ـ ٣٥ مع اختلاف في بعض الألفاظ.
وروى قسماً منه السيّد ابن طاوس في الملهوف : ص ١٧٢.