فرفع ابن الخيرتين مشعل الهداية الوهاج بالابتهال والاستكانة إلى الباري تعالت عظمته لتبصر الأُمة ألق الحق وتعي هذه الصرخة من كريم رحيم لم يبعثه على الدعوة الإصلاحية إلّا صقل النفوس وتطهير القلوب من دون المطامع ولو أخذت بمنهاج ما دعا إليه لأمنت العذاب الواصب ولأكلت من فوق رؤوسها ومن تحت ارجلها ولأجابتها الطير في الجو السماء والحيتان في جوف البحار ولكنها أبت إلّا التردد في ظلمات الجهل والنكوص على الأعقاب (١) .
لقد تركت الصحيفة السجادية البصائر حائرة في انها هل هي أقوال ملك كريم تصك سمع البصير أو أمير ينظم الكلم كيف يشاء أو عارف خضعت له المعاني الضخمة أو عبدٌ استلان شوارد الجمل فاستمطر رحمة ربه سبحانه عطاء غير مجذوذ أو هي صحيفة بيضاء يرتّل حروفها الصالحون أو كتاب العبودية الخالد في يمين العصور فتبتهج بهتافها « ها أم اقرؤا كتابيه » (٢) .
إنّ القارئ جد عليهم عندما يمرُّ بالصحيفة الكاملة ( زبور آل محمد ) بامعان ودقة نظر يتجلىٰ له سير الامام عليهالسلام في هذه الأدعية لتحصيل الغاية المتوخاة لصاحب الدعوة الإلهية المنقذ الأكبر محمد صلىاللهعليهوآله بالتحلية بالخلق الكامل والتخلية عن المساوي الذميمة وما يلزم الأُمة من الاجتماع والتضامن وحفظ حقوق الأخوان ومراعاة الآباء والأولاد وشكر المنعم ... الخ من المفاهيم الإسلامية والقرآنية ، والخلاصة لقد جرت الصحيفة المكرمة مجرىٰ القرآن الكريم في الإيعاز إلى جمل من أُصول الطاعة والنظم الاصلاحية وابداع التكوين واحكام الفلك ومختلف ابواب الطاعة كالصلاة والصيام والحج والجهاد وعلى هذا النهج والاسلوب جاء الصحيفة الكاملة ( انجيل اهل البيت ) .
______________________
(١) حياة الامام زين العابدين ، للمقرم : ٧٣ ـ ٧٤ .
(٢) نفس المصدر السابق : ٧٢ .