وبمن
يحبّ الله ويأمر بحبّه ، وهما وجهان لقضية واحدة.
فإن « الحبّ » إذا
صفا وخلص تضمّن وجهين : « ولاءً » و « براءةً » و « وصلاً » و « فصلاً » و « انقطاعاً » من الخلق « إلىٰ الله ».
ونفس المعنىٰ
تتضمّنه الفقرة الثانية : « وانصرفت إليك رغبتي ».
فإنّ الانصراف إلىٰ
الله « إعراض » و « إقبال » معاً ، « إعراض » عمّا عدا الله « وإقبال » علىٰ الله وما يأمر به ويحبّه.
ثم يأتي التأكيد
الثالث لهذه الحقيقة ، وهو أبلغها جميعاً ، ويحمل من معاني الحب والانصراف إلىٰ الله ، والانقطاع عمّا عداه ما يعجز عن أدائه ووصفه
التعبير : « فأنت لا غيرك مرادي ولك لا لسواك سهري وسهادي ».
و « السَهَر » و « السُّهاد
» خلاف النوم ، إلّا أن « السَهَر » هو قيام الليل في حالة « الاُنس » ، و « السهاد » نحوٌ من الأرق ينتاب الانسان عندما يشغله شيء يهمه ، ويسلب عنه النوم ، وهو هنا الحنين والشوق إلىٰ الله.
إذن هما يمثّلان
حالتين من حالات الحب : « الاُنس » و « الشوق ». اُنسٌ بذكر الله وبحضور الله عند العبد حيث يحس بحضور الله في دعائه ، وذكره ، ومناجاته ، وصلاته ، وشوقٌ إلىٰ لقاء الله.
والمحب يشعر بهذا أو ذاك
معاً عندما يقف بين يدي الله تعالىٰ ، وهذا وذاك ينفيان عنه النوم ويؤرّقانه ، حين يستسلم الناس للنوم ، ويفقدون وعيهم وشعورهم بالنوم.
والنوم حاجة ، من دون
شك ، يأخذ الناس جميعاً حظّهم منه ، الصالحون والطالحون ، وحتىٰ الانبياء والصديقون ينامون.
ولكن فرق هائل بين من
يأخذ حاجته من النوم ، كما يأخذ حاجته من الأکل والشرب ، وبين من يستسلم للنوم ويتحكّم النوم فيه.