والإمام عليهالسلام قاطع في هذا الجانب من القضية « الخط النازل » في علاقة الله بعبده كما كان قاطعاً وصريحاً في الطرف الآخر من القضية « الخط الصاعد » في علاقة العبد بالله.
فكما كان قاطعاً وصريحاً أنه حتىٰ في النار لا يفارقه حبه ورجاؤه ، ولن يستبدل بالله تعالىٰ ملجأً وملاذاً. كذلك هو قاطع وصريح أن الله تعالىٰ لا يخيّب مثل هذا الحب والرجاء الصادقين في قلب العبد.
تأمّلوا في هذا الجزم والقطع والصراحة في كلام علي عليهالسلام : « هيهات ما ذلك الظن بك ، ولا المعروف من فضلك ، ولا مشابه لما عاملت به الموحّدين من برّك وإحسانك ، فباليقين أقطع لو لا ما حكمت به من تعذيب جاحديك ، وقضيت به من إخلاد معانديك ، لجعلت النار كلّها برداً وسلاماً ، وما كانت لأحدٍ فيها مقراً ولا مقاماً » (١).
وهذا الجزم والقطع في علاقة العبد الذي أحب مولاه « الصاعدة » وعلاقة المولىٰ بعبده (النازلة) نجده في مواضع اُخرىٰ من كليات علي عليهالسلام. فها هو يخاطب الله تعالىٰ في مناجاته المشهورة : « إلهي وعزتك وجلالك لقد أحببتك محبةً استقرّت حلاوتها في قلبي ، وما تنعقد ضمائر موحديك علىٰ أنك تبغض محبيك » (٢).
وفي مناجاة الإمام علي بن الحسين عليهالسلام : « إلهي نفسٌ أعززتها بتوحيدك كيف تذلّها بمهانة هجرانك ؛ وضمير انعقد علىٰ مودّتك كيف تحرقه بحرارة نيرانك » (٣).
ويقول عليهالسلام أيضاً في دعاء الأسحار من شهر رمضان الذي علّمه لأبي حمزة
__________________
(١) مفاتيح الجنان : دعاء كميل.
(٢) مناجاة أهل البيت ٦٨ ، ٦٩.
(٣) بحار الأنوار ٩٤ : ١٤٣.