بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ليجمع القرآن العظيم ، وفي حديث رواه الشيخ علي بن إبراهيم القمي ـ رحمهالله تعالى ـ في تفسيره : إن عمله ذاك كان بأمر من النبي صلىاللهعليهوآله ، وقال : لا أرتدي حتى أجمعه ، حتى روي أنه عليهالسلام لم يرتد رداءه إلا للصلاة إلى أن فرغ من هذه المهمة.
وأضافت تلك الأحاديث ـ ومنها الحديث الثالث من الأحاديث المتقدمة وحديثان رواهما الشيخ أبو منصور الطبرسي في (الاحتجاج) ـ أنه عليهالسلام حمل ذلك المصحف الذي جمعه إلى الناس وأخبرهم بأنه الذي نزل من عند الله سبحانه على النبي الكريم صلىاللهعليهوآله ، ولكن الناس ردوه وأعرضوا عنه زاعمين أنهم في غنى عنه ، فعند ذلك قال الإمام عليهالسلام : إنكم لن تروه بعد اليوم.
والذي يستنتجه الناظر في هذه الأحاديث مخالفة ما جمعه الإمام عليهالسلام مع القرآن الموجود ، ولو لم يكن بعض ما فيه مخالفا لبعض ذلك المصحف لما حمله إليهم ، ولما دعاهم إلى تلاوته والأخذ به وجعله القرآن المتبع لدى جميع المسلمين.
ومن هنا تأتي الشبهة في هذا المصحف الذي بين أيدينا ، إذا لا يشك مسلم في أعلمية الإمام عليهالسلام بالكتاب ودرايته بحقائقه وأسراره ودقائقه.
ولكن هذه الشبهة تندفع ـ بعد التسليم بصحة هذه الأخبار ـ بما ذكره جماعة من أن القرآن الكريم كان مجموعا على عهد النبي صلىاللهعليهوآله على ما هو عليه الآن ، ولم يكن في عهده مبثوثا متفرقا هنا وهناك حتى يحتاج إلى جمع ، ويؤيد ذلك أن غاية ما تدل عليه هذه الأحاديث هو المخالفة بين المصحفين إجمالا ، وهي كما يحتمل أن تكون بالزيادة والنقصان في أصل الآيات والسور المنزلة ، كذلك يحتمل أن تكون :
أولا : بالاختلاف في الترتيب والتأليف ، كما يدل عليه حديث (روضة الواعظين) وذهب إليه جماعة ، فقد قال السيد الطباطبائي : (إن جمعه عليهالسلام القرآن وحمله إليهم وعرضه عليهم لا يدل على مخالفة ما جمعه لما جمعوه في شئ من الحقائق الدينية الأصلية أو الفرعية ، إلا أن يكون في شئ من ترتيب السور أو الآيات من السور التي نزلت نجوما ، بحيث لا يرجع إلى مخالفة في بعض الحقائق الدينية.
ولو كان كذلك لعارضهم بالاحتجاج ودافع فيه ولم يقنع بمجرد إعراضهم عما