الوجودات هو تلك
الموجودات ، إلّا أنه بنوع ونوع.
وإنّما أوردت هذا الكلام
كلّه ، لأنّه مع انطوائه بما نحن بصدده ، مشتمل أيضاً على تحقيق معنى الحقيقة ، ومعنى الصدق والحق وسبب تسمية هذا الوجود بالوجود الحقيقي وغيره من اللطائف فليتأمل .
أقول : في هذه العبارات
المنيفة السامية لطائف عديدة ، ونكات سديدة ، حريّ بباغي المعارف الإلهية أن يعتني بها ويهتمّ بنيلها :
منها : إنّ العالم الأعلى
هو متن ما دونها وقضائها ، ولا يوجد رقيقة في الداني ، إلّا وهي مستكنة فيه على نحو وجود أحديّ ، فالرقائق صنم ، واُنموذج لذلك العالم الأعلى
، فالحقيقة لا تنزل الى العالم الأدنى الحسّي إلّا وهي نازلة من جميع العوالم ، قال
عزّ من قائل : « وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا
خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ » ، وقال سبحانه : « يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ
إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ
سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّو » .
فكل ما هو حق وصدق من
المعاني والصور ، فهو مطابق ـ بالكسر ـ لما هو متحقّق في العالم الأعلى ، أي فله مطابَق ـ بالفتح ـ وخزائن ، واما ما ليس بحق
وصدق كالصور المختلقة التي هي مخترعات الوهم ودعابات الخيال ، والإعتباريات المحضة من النسب والإضافات غير الحقيقية ، فليس لها مطابَق ـ بالفتح ـ أصلاً ، لأنّ الباطل
لا يتطرق في صنع الحق ، مثلاً ، لو فرض الوهم غلطاً أنّ الثلاثة نصف العشرة أو الهواء
أثقل من الأرض وأصلب منها ونحوهما من الأكاذيب ، فهي عارية عن أن يكون لها نفس الأمر ، وبمعزل عنه. فنفس الأمر هو حقيقة الأمر ، أي حقيقة الشيء في النظام العنائي الحقيقي ، وتصور أنّ الثلاثة نصف العشرة ليس أمراً حقاً ، فلايصحّ أن يقال
: إنّ الثلاثة في نفس الأمر أي في نفسها وذاتها نصف العشرة ، فلا يصحّ أن يقال : إنّ للكواذب مطابَق ـ بالفتح ـ فما هو باطل في موطن ، وليس فرض تحقّقه في ذلك الموطن بحق ، فهو عارٍ عن تلبّس خلعة الوجود الحقيقي في جميع المواطن ، فالكواذب مطلقاً
ليس لها
____________________________