الفعل. وينتقش صورة في شمع ، عمّا ليس له تلك الصورة ، وشيء يفيد كمالاً فوق الذي له ، فيجب أن تخرج هذه القوّة الى الفعل بشيء من العقول المفارقة المذكورة ، اما كلها ، واما الأقرب إليها في المرتبة ، وهو العقل الفعّال.
وكل واحد من العقول المفارقة عقل فعّال ، لكن الأقرب منا عقل فعال بالقياس إلينا. ومعنى كونه فعّالاً انه في نفسه عقل بالفعل ، لا أن فيه شيئاً هو قابل للصورة المعقولة ، كما هو عندنا ، ولا ان فيه شيئاً هو كمال ، بل ذاته صورة عقلية قائمة بنفسها ، وليس فيها شيء ممّا هو بالقوة ، وممّا هو مادة البتة. فهي عقل وتعقل ذاتها ، لأن ذاتها أحد الموجودات ، فهي عقل لذاته ومعقول ، لأنها موجودات من الموجودات المفارقة للمادّة ، فلا يفارق كونها عقلاً كونها معقولاً ، ولا كونها هذا العقل كونها هذا المعقول. فأما عقولنا فيفترق فيها ذلك ، لأن فيها ما بالقوة. فهذا أحد معاني كونه عقلاً فعالاً.
وهو أيضاً عقل فعّال بسبب فعله في أنفسنا وإخراجه إياها عن القوّة الى الفعل.
وقياس العقل الفعّال الى أنفسنا قياس الشمس إلى أبصارنا ، وقياس ما يستفاد منه الضوء المخرج للحس من الحسّ بالقوة الى الحسّ بالفعل ، والمحسوس بالقوة الى المحسوس بالفعل » (٥).
أقول : القول بقبول النفس الصور المحسوسة والمعقولة غير مقبول في الحكمة المتعالية ، لأنه مبني على أن النفس تنفعل عن صور المحسوسات والمعقولات ، واما الحكمة المتعالية فحاكمة بأن النفس تنشیء الصور في مرحلة ، واُخرى على النحو الذي فوق الإنشاء على ما هو مقرر في محلّه ، ومعلوم لأهله ، وقد استوفينا البحث عنه في كتابنا « دروس إتحاد العاقل بالمعقول ».
واعلم ان في المقام وجهاً آخر دقيقاً جداً في معنى العقل الفعّال ـ يرزق بنيله من وفّق له ـ وهو ما أفاده المتألّه السبزواري بقوله :
«في دفع إشكال صيرورة العقل الهيولاني عقلاً بالفعل ، من أن الحقيقة المحمّدية عند أهل الذوق من المتشرعة وصلت في عروجها الى العقل الفعّال وتجاوزت
____________________________
(٥) المبدأ والمعاد : ٩٨ ، الطبعة الاُولى.