أتباعهم وأحداثهم ، ولما شرح لهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنعوا رجعوا مذعنين ، وعلموا : أن الغنيمة الحقيقية هي ما حصل لهم من عود رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى بلادهم.
فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا بما حازوه من الفوز العظيم ، ومجاورة النبي الكريم حيا وميتا ، وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه.
٤ ـ رتب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ما منّ الله تعالى به على الأنصار على يديه من النعم ترتيبا بالغا ، فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازنها شيء من أمور الدنيا ، وثنى بنعمة الأمان ، وهي أعظم من نعمة المال ، لأن الأموال قد تبذل في تحصيلها وقد لا تحصل ، فقد كانت الأنصار في غاية التنافر والتقاطع ، لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها ، فزال ذلك بالإسلام كما قال تعالى : (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (١).
٥ ـ قوله «صلىاللهعليهوآله» : «لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار».
قال الخطابي : أراد بهذا الكلام : تأليف الأنصار ، واستطابة نفوسهم ، والثناء عليهم في دينهم ، حتى رضي أن يكون واحدا منهم لو لا ما منعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها.
ونسبة الإنسان تقع على وجوه : الولادة ، والإعتقادية ، والبلادية ، والصناعية ، ولا شك أنه لم يرد الإنتقال عن نسب آبائه ، لأنه ممتنع قطعا ، وأما الإعتقادي فلا معنى للإنتقال عنه ، فلم يبق إلا القسمان الأخيران.
__________________
(١) الآية ٦٣ من سورة الأنفال.