أمري فسمع النّاس خبره فتوجّهوا أهل الفضل نحوه وختم له بالخير وبقي عليه إلى أنَّ فارق الدُّنيا.
قال ابن الملك : زدني من هذا المثل ، قال الحكيم : زعموا أنَّ ملكاً كان في أوّل الزَّمان وكان حريصاً على أن يولد له وكان لا يدع شيئاً ممّا يعالج به النّاس أنفسهم إلّا أتاه وصنعه ، فلمّا طال ذلك من أمره حملت امرأة له من نسائه فولدت له غلاماً فلمّا نشأ وترعرع (١) خطا ذات يوم خطوة فقال : معادكم تجفون ، ثمَّ خطا اخرى فقال : تهرمون ، ثمَّ خطا الثالثة فقال : ثمَّ تموتون ، ثمَّ عاد كهيئته يفعل كما يفعل الصّبيُّ.
فدعا الملك العلماء والمنجّمين فقال : أخبروني خبر ابني هذا فنظروا في شأنه وأمره فأعياهم أمره ، فلم يكن عندهم فيه علم ، فلمّا رأى الملك أنَّه ليس عندهم فيه علم دفعه إلى المرضعات فأخذن في إرضاعه إلّا أنَّ منجّماً منهم قال : أنَّه سيكون إماماً ، وجعل عليه حرَّاساً لا يفارقونه حتّى إذا شبَّ انسلَّ يوماً من عند مرضعيه والحرس فأتى السّوق فإذا هو بجنازة فقال : ما هذا؟ قالوا : إنساناً مات قال ، ما أماته؟ قالوا : كبر وفنيت أيّامه ودنى أجله فمات ، قال : وكان صحيحاً حيّاً يمشي ويأكل ويشرب؟ قالوا : نعم ، ثمَّ مضى فإذا هو برجل شيخ كبير فقام ينظر إليه متعجّباً منه ، فقال : ما هذا؟ قالوا : رجل شيخ كبير قد فنى شبابه وكبر ، قال : وكان صغيراً ثمّ شاب؟ قالوا : نعم ، ثمّ مضى فإذا هو برجل مريض مستلقى على ظهره ، فقام ينظر إليه ويتعجب منه ، فسألهم ما هذا؟ قالوا : رجل مريض ، فقال : أو كان هذا صحيحاً ثمَّ مرض؟ قالوا : نعم ، قال : والله لئن كنتم صادقين فإنَّ النّاس لمجنونون.
فافتقد الغلام عند ذلك فطلب فإذا هو بالسّوق فأتوه فأخذوه وذهبوا به فأدخلوه البيت ، فلمّا دخل البيت استلقى على قفاه ينظر إلى خشب سقف البيت ويقول : كيف كان هذا؟ قالوا : كانت شجرة ثمَّ صارت خشباً ، ثمَّ قطع ، ثمَّ بني هذا البيت ، ثمَّ
__________________
(١) ترعرع الصبي : نشأ وشب.