جعل هذا الخشب عليه ، فبينا هو في كلامه إذ أرسل الملك إلى الموكّلين به : انظروا هل يتكلّم أو يقول شيئاً؟ قالوا : نعم وقد وقع في كلام ما نظنّه إلّا وسواساً ، فلمّا رأى الملك ذلك وسمع جميع ما لفظ به الغلام ، دعا العلماء فسألهم فلم يجد فيه عندهم علماً إلّا الرَّجل الاوَّل فأنكر قوله فقال بعضهم أيّها الملك لو زوَّجته ذهب عنه الّذي ترى ، وأقبل وعقل أبصر فبعث الملك في الأرض يطلب ويلتمس له امرأة فوجدت له امرأة من أحسن النّاس وأجملهم فزوّجها منه ، فلمّا أخذوا في وليمة عرسه أخذ اللّاعبون يلعبون والزمارون يزمرون ، فلمّا سمع الغلام جلبتهم (١) وأصواتهم قال : ما هذا؟ قالوا : هؤلاء لعّابون وزمّارون جمعوا لعرسك ، فسكت الغلام ، فلمّا فرغوا من العرس وأمسوا ، دعا الملك امرأة ابنه فقال لها : أنَّه لم يكن لي ولد غير هذا الغلام : فإذا دخلت عليه فألطفي به واقربي منه وتحببي إليه ، فلمّا دخلت المرأة عليه أخذت تدنو منه وتتقرَّب إليه ، فقال الغلام على رسلك (٢) فإنَّ اللّيل طويل ، بارك الله فيك ، واصبري حتّى نأكل ونشرب ، فدعا بالطّعام فجعل يأكل ، فلمّا فرغ جعلت المرأة تشرب فلمّا أخذ الشراب منها نامت.
فقام الغلام فخرج من البيت ، وانسلَّ من الحرس والبوَّابين حتّى خرج وتردَّد في المدينة ، فلقيه غلام مثله من أهل المدينة فأتبعه وألقى ابن الملك عنه تلك الثياب الّتي كانت عليه ولبس ثياب الغلام ، وتنكّر جهده وخرجا جميعاً من المدينة فسارا ليلتهما حتّى إذا قرب الصبح خشيا الطّلب فكمنا ، فاتيت الجارية عند الصّبح فوجدوها نائمة فسألوها أين زوجك؟ قالت : كان عندي السّاعة ، فطلب الغلام فلم يقدر عليه ، فلمّا أمسى الغلام وصاحبه سارا ثمَّ جعلا يسيران اللّيل ويكمنان النّهار حتّى خرجا من سلطان أبيه ، ووقعا في ملك سلطان آخر.
وقد كان لذلك الملك الّذي صارا إلى سلطانه ابنة قد جعل لها أن لا يزوَّجها
__________________
(١) جلب القوم : ضجوا واختلطت اصواتهم ، والجلاب والمجلب ـ بشد اللام ـ : المصوت.
(٢) أي على مهلك يعني امهل وتأن.