الملك : أخبرني أيُّ الفضل أفضل؟ قال : الرِّضا بالكفاف ، قال : أخبرني أيُّ الادب أحسن؟ قال : أدب الدِّين ، قال : أيُّ الشيء أجفا؟ قال : السّلطان العاتي ، والقلب القاسي ، قال : أيُّ شيء أبعد غاية ؛ قال : عين الحريص الّتي لا تشبع من الدُّنيا ، قال : أي الأُمور أخبث عاقبة؟ قال : التماس رضي النّاس في سخط الربِّ عزَّ وجلَّ ، قال : أيُّ شيء أسرع تقلّباً ، قال : قلوب الملوك الّذين يعملون للدُّنيا ، قال : فأخبرني أيُّ الفجور أفحش؟ قال : إعطاء عهد الله والغدر فيه ، قال : فأيُّ شيء أسرع انقطاعاً ، قال : مودَّة الفاسق ، قال : فأيُّ شيء أخون؟ قال : لسان الكاذب ، قال : فأيُّ شيء أشد اكتتاماً؟ قال : شرُّ المرائي المخادع ، قال : فأيُّ شيء أشبه بأحوال الدُّنيا ، قال : أحلام النّائم ، قال : أيُّ الرِّجال أفضل رضي؟ قال : أحسنهم ظنّاً بالله عزَّ وجلَّ وأتقاهم وأقلّهم غفلة عن ذكر الله وذكر الموت وانقطاع المدّة. قال أيُّ شيء من الدُّنيا أقرُّ للعين ؛ قال : الولد الاديب والزَّوجة الموافقة المؤاتية المعينة على أمر الاخرة ، قال : أيُّ الدّاء ألزم في الدُّنيا؟ قال : الولد السّوء والزَّوجة السّوء اللذين لا يجد منهما بدّاً ، قال : أي الخفض أخفض؟ قال : رضي المرء بحظّه واستيناسه بالصّالحين.
ثمَّ قال ابن الملك للحكيم : فرَّغ لي ذهنك فقد أردت مساءلتك عن أهمِّ الاشياء إليَّ بعد إذ بصرني الله عزَّ وجلَّ من أمري ما كنت به جاهلا ، ورزقني من الدِّين ما كنت منه آيساً.
قال الحكيم : سل عمّا بدالك ، قال ابن الملك : أرأيت من أوتي الملك طفلاً ودينه عبادة الاوثان وقد غذي بلذَّات الدُّنيا واعتادها ونشأ فيها إلى أن كان رجلاً وكهلاً ، لا ينتقل من حالته تلك في جهالته بالله تعالى ذكره وإعطائه نفسه شهواتها متجرِّداً لبلوغ الغاية فيما زين له من تلك الشّهوات مشتغلا بها ، مؤثراً لها ، جريّاً عليها ، لا يري الرُّشد إلّا فيها ، ولا تزيده الأيّام إلّا حبّاً لها واغتراراً بها ، وعجباً وحبّاً لأهل ملته ورأيه.
وقد دعته بصيرته في ذلك إلى أنَّ جهل أمر آخرته وأغفلها فاستخفَّ