قال : أيُّ هؤلاء الّذين عددت أقوى وأجدر أن يسلم منه؟ قال : الحرص أقلُّ رضاً وأفحش غضباً ، والغضب أجور سلطاناً وأقلُّ شكراً وأكسب للبغضاء ، والحسد أسوء الخيبة للنيّة ، وأخلف للظنّ ، والحميّة أشدُّ لجاجة وأفظع معصية ، والحقد أطول توقّداً وأقلُّ رحمة وأشدُّ سطوة ، والرّياء أشدُّ خديعة ، وأخفى اكتتاماً وأكذب ، واللّجاجة أعي خصومة ، وأقطع معذرة.
قال : أيُّ مكائد الشّيطان للنّاس في هلاكهم أبلغ؟ قال : تعميته عليهم البرَّ والاثم والثواب والعقاب وعواقب الأُمور في ارتكاب الشهوات ، قال : أخبرني بالقوَّة الّتي قوى الله عزَّ وجلَّ بها العباد في تغالب تلك الأُمور السّيئة والاهواء المردية؟ قال : العلم والعقل والعمل بهما ، وصبر النّفس عن شهواتها ، والرجاء للثواب في الدِّين ، وكثرة الذكر لفناء الدُّنيا ، وقرب الاجل ، والاحتفاط من أن ينقض ما يبقى بما يفني ، فاعتبار ماضى الأُمور بعاقبتها والاحتفاظ بما لا يعرف إلّا عند ذوي العقول وكفِّ النفس عن العادة السّيّئة وحملها على العادة الحسنة ، والخلق المحمود ، وأن يكون أمل المرء بقدر عيشه حتّى يبلغ غايته ، فإنَّ ذلك هو القنوع وعمل الصّبر والرِّضا بالكفاف واللّزوم للقضاء والمعرفة بما فيه في الشدّة من التعب وما في الافراط من الاقتراف ، وحسن العزاء عمّافات ، وطيب النفس عنه وترك معالجة ما لا يتمُّ ، والصّبر بالاُمور الّتي إليها يرد ، واختيار سبيل الرُّشد على سبيل الغيِّ ، وتوطين النفس على أنَّه أنَّ عمل خيراً أجزي به وإن عمل شراً أجزي به والمعرفة بالحقوق والحدود في التقوى وعمل النصيحة وكف النفس عن اتباع الهوى. وركوب الشهوات ، وحمل الأُمور على الرَّأي والاخذ بالحزم والقوَّة ، فإن أتاه البلاء أتاه وهو معذور غير ملوم.
قال ابن الملك : أيُّ الأخلاق أكرم وأعزُّ؟ قال : التواضع ولين الكلمة اللاخوان في الله عزَّ وجلَّ ، قال : أي العبادة أحسن؟ قال : الوقار والمودَّة قال : فأخبرني أي الشّيم أفضل؟ قال : حب الصالحين ، قال : أيُّ الذّكر أفضل ، قال : ما كان في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : فأي الخصوم ألد؟ قال : ارتكاب الذُّنوب ، قال ابن