فيبس الغرس ، وهلك الزّرع ، فلمّا بلغ الملك خلافهم على القيّم بعد رسوله وخراب أرضه أرسل إليها رسولاً آخر يحييها ويعيدها ويصلحها كما كانت في منزلتها الاولى ، وكذلك الأنبياء والرُّسل عليهمالسلام يبعث الله عزَّ وجلَّ منهم الواحد بعد الواحد فيصلح أمر النّاس بعد فساده.
قال ابن الملك : أيخصُّ الأنبياء والرُّسل عليهمالسلام إذا جاءت بما يبعث به أم تعمُّ؟
قال بلوهر : إنَّ الأنبياء والرُّسل إذا جاءت تدعوا عامّة النّاس فمن أطاعهم كان منهم ، ومن عصاهم لم يكن منهم ، وما تخلو الأرض قطُّ من أن يكون لله عزَّ وجلَّ فيها مطاع من أنبيائه ورسله ومن أو صيائه ، وإنّما مثل ذلك مثل طائر كان في ساحل البحر يقال له قدم (١) يبيض بيضاً كثيراً وكان شديداً الحبِّ للفراخ وكثرتها ، وكان يأتي عليه زمان يتعذّر عليه فيه ما يريده من ذلك ، فلا يجد بدّاً من اتّخاذ أرض اخرى حتّى يذهب ذلك الزَّمان فيأخذ بيضه مخافة عليه من أن يهلك من شفقته فيفرِّقه في أعشاش الطّير فتحضن الطّير بيضته مع بيضتها وتخرج فراخه مع فراخها ، فإذا طال مكث فراخ قدم مع فراخ الطّير ألفها بعض فراخ الطير واستأنس بها فإذا كان الزَّمان الّذي ينصرف فيه قدم إلى مكانه مرَّ بأعشاش الطير وأوكارها بالليل فأسمع فراخه وغيرها صوته فإذا سمعت فراخه صوته تبعته وتبع فراخه ما كان ألفها من فراخ سائر الطير ولم يجبه ما لم يكن من فراخه ولا ما لم يكن ألف فراخه وكان قد يضمُّ إليه من أجابه من فراخه حبّاً للفراخ ، وكذلك الأنبياء إنّما يستعرضون النّاس جميعاً بدعائهم فيجيبهم أهل الحكمة والعقل لمعرفتهم بفضل الحكمة ، فمثل الطّير الّذي دعا بصوته مثل الأنبياء والرُّسل الّتي تعمُّ النّاس بدعائهم ، ومثل البيض المتفرِّق في أعشاش الطّير مثل الحكمة ، ومثل سائر فراخ الطّير الّتي ألفت مع فراخ قدم مثل من أجاب الحكماء قبل مجييء الرُّسل ، لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل لانبيائه ورسله من الفضل والرَّأي ما لم يجعل لغيرهم من النّاس ، وأعطاهم من الحجج والنّور والضياء ما لم
__________________
(١) في بعض النسخ « قرم » ولعل الصواب « قرلي ».