قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

كمال الدّين وتمام النّعمة

كمال الدّين وتمام النّعمة

591/686
*

إليها ، قال الحاضن للحكيم : إنّك لتقول شيئاً ما سمعنا به من أحد قبلك ولا أرى بك بأسا وما مثلي يذكر ما لا يدري ما هو ، فأعرض عليَّ سلعتك أنظر إليها فإن رأيت شيئاً ينبغي لي أن أذكره ذكرته ، قال له بلوهر : إنّي رجلٌ طبيب وإنّي لارى في بصرك ضعفاً فأخاف أن نظرت إلى سلعتي أن يلتمع بصرك ، ولكن ابن الملك صحيح البصر حدث السّنِّ ولست أخاف عليه أن ينظر إلى سلعتي فإن رأى ما يعجبه كانت له مبذولة على ما يحّب وإن كان غير ذلك لم تدخل عليه مؤونة ولا منقصة ، وهذا أمر عظيم لا يسعك أن تحرمه إيّاه أو تطويه دونه ، فانطلق الحاضن إلى ابن الملك فأخبره خبر الرَّجل فحسَّ قلب ابن الملك بأنّه قد وجد حاجته ، فقال : عجّل إدخال الرَّجل عليَّ ليلاً وليكن ذلك في سرو كتمان ، فإنَّ مثل هذا لا يتهاون به.

فأمر الحاضن بلوهر بالتهييء للدُّخول عليه ، فحمل معه سفطاً فيه كتب له ، فقال الحاضن : ما هذا السفط؟ قال بلوهر : في هذا السّفط سلعتي فإذا شئت فأدخلني عليه ، فانطلق به حتّى أدخله عليه فلمّا دخل عليه بلوهر سلّم عليه وحيّاه وأحسن ابن الملك إجابته ، وانصرف الحاضن ، وقعد الحكيم عند الملك فأوَّل ما قال له بلوهر : رأيتك يا ابن الملك زدتني في التحيّة على ما تصنع بغلمانك وأشراف أهل بلادك؟ قال ابن الملك : ذلك لعظيم ما رجوت عندك ، قال بلوهر : لئن فعلت ذلك بي فقد كان رجلاً من المملوك في بعض الافاق يعرف بالخير ويرجى فبينا هو يسير يوماً في موكبه إذ عرض له في مسيره رجلان ماشيان ، لباسهما الخلقان ، وعليهما أثر البؤس والضرِّ ، فلمّا نظر إليهما الملك لم يتمالك أن وقع على الأرض فحيّاهما وصافحهما ، فلمّا رأى ذلك وزراؤه اشتدَّ جزعهم ممّا صنع الملك فأتوا أخا له وكان جريّاً عليه فقالوا له : إنَّ الملك أزرى بنفسه ، وفضح أهل مملكته ، وخرَّ عن دابة لانسانين دنييّن ، فعاتبه على ذلك كيلا يعود ، ولمه على ما صنع ، ففعل ذلك أخ الملك فأجابه الملك بجواب لا يدري ما حاله فيه أساخط عليه الملك أم راض عنه ، فانصرف إلى منزله حتّى إذا كان بعد أيّام أمر الملك منادياً وكان يسمى منادي الموت فنادى في فناء داره ، وكانت تلك سنتهم فيمن أرادوا قتله ، فقامت النوائح والنّوادب في دار أخ الملك ولبس ثياب الموتى وانتهى