قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

كمال الدّين وتمام النّعمة

كمال الدّين وتمام النّعمة

590/686
*

ثلاثون يوماً والسنة اثنا عشر شهراً وانقضاء العمر مائة سنّة فما أسرع اليوم في الشّهر ، وما أسرع الشّهر في السنة ، وما أسرع السنّة في العمر ، فانصرف الغلام وهذا كلامه يبدؤه ويعيده مكرّراً له.

ثمَّ سهر ليلته كلّها وكان له قلب حي ذكي وعقل لا يستطيع معه نسيانا ولا غفلة فعلاه الحزن والاهتمام فانصرف نفسه عن الدُّنيا وشهواتها وكان في ذلك يداري أباه ويتلطف عنده وهو مع ذلك قد أصغى بسمعه إلى كلّ متكلم بكلمة طمع أن يسمع شيئاً يدله على غير ما هو فيه ، وخلا بحاضنه الّذي كان أفضى إليه بسره ، فقال له : هل تعرف من النّاس أحداً شأنه غير شأننا هذا ، قال : نعم قد كان قوم يقال لهم : النساك ، رفضوا الدُّنيا وطلبوا الاخرة ، ولهم كلام ، وعلم لا يدرى ما هو ، غير أنَّ النّاس عادوهم وأبغضوهم وحرقوهم ، ونفاهم الملك عن هذه الأرض ، فلا يعلم اليوم ببلادنا منهم أحد فإنهم قد غيبوا أشخاصهم ينتظرون الفرج ، وهذه سنّة في أولياء الله قديمة يتعاطونها في دول الباطل ، فاغتص لذلك الخبر فؤاده ، وطال به اهتمامه ، وصار كالرّجل الملتمس ضالّته الّتي لابدّ له منها ، وذاع خبره في آفاق الأرض وشهر بتفكره وجماله وكماله وفهمه وعقله وزهادته في الدُّنيا وهوانها عليه. فبلغ ذلك رجلاً من النساك يقال له : بلوهر ، بأرض يقال لها : سرنديب ، كان رجلاً ناسكاً حكيماً فركب البحر حتّى أتى أرض سولابط ، ثمّ عمد إلى باب ابن الملك فلزمه وطرح عنه زيَّ النّسّاك ولبس زيّ التجّار وتردَّد إلى باب ابن الملك حتّى عرف الاهل والاحبّاء والدَّاخلين إليه ، فلمّا استبان له لطف الحاضن بابن الملك ، وحسن منزلته منه أطاف به بلوهر حتّى أصاب منه خلوة ، فقال له : إنّي رجل من تجار سرنديب ، قدمت منذ أيّام ، ومعي سلعة نفيسة الثّمن ، عظيمة القدر ، فأردت الثقة لنفسي فعليك وقع اختياري ، وسلعتي خير من الكبريت الاحمر ، وهي تبصر العميان ، وتسمع الصم ، وتداوي الاسقام ، وتقوي من الضّعف ، وتعصم من الجنون ، وتنصر على العدوِّ ، ولم أر بهذا أحداً هو أحقُّ ، بها من هذا الفتى فإنَّ رأيت أن تذكر له ذلك ذكرته فإن كان له فيها حاجة أدخلتني عليه ، فإنّه لم يخف عنه فضل سلعتي لو قد نظر