فساحة المدينة ، ومظهر الفترة الأولى من المستوى العباسي بالضبط . لكن المعلوم أيضا أن القوى الحية ـ الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية ـ هاجرت من الكوفة إلى بغداد وأن الكوفة وقع الحط من مركزيتها على صعيد المؤسسات ، وصار وضعها هشا بصورة متزايدة. فإذا وجد نموّ ما في
الفترة العباسية فينبغي إكساؤه صفة النسبية وإدراجه في الحركة العامة للعالم
الإسلامي الكلاسيكي (القرن التاسع والقرن العاشر).
وخلافا لذلك ، كان
العصر الأول المتفرع إلى ثلاث فترات هي الفترات التي تولى خلالها الخلفاء الثلاثة (عمر
وعثمان وعلي) يبدو بدائيا من الوجهة المعمارية ، لكن ذلك العصر كان القاعدة والأس
، ويمثله مستوى الأسس في هندسة القصر . لقد رسم هذا العصر من جميع الوجوه بنية وجود الكوفة ،
فخطط في خلافة عمر لهندسة المدينة واستنبط تنظيمها ، واستعمل ذلك من عدة وجوه في
خلافة عثمان ، وأضفيت في خلافة علي الصيغة التاريخية ذات الدلالة الرفيعة بالنسبة
للقرون التالية.
كانت الكوفة
الأولى تاريخية أكثر من الكوفة الأموية التي صارت مهمشة في ما بعد ، وكانت الكوفة
في العصر الأموي أكثر تاريخية منها في العصر العباسي. لكن لا شك أنه ينبغي عكس
الحركة على صعيد الحضارة المادية. ومصدر الطابع المميز للعصر الأموي أنه جمع في آن
عنصر الحضارة وعنصر الدلالة التاريخية. فالكوفة تشكلت عندئذ بوصفها مدينة ، وأفرزت
الحدث بصورة صاخبة بصفتها موضع تاريخ ، ولذا يستدعي هذا القرن قطعا عموديا عميقا.
لكن لا يمكن تناسي الإطار الزمني ، وكله انفصامات وقفزات ووثبات ، ضمن أية دراسة
بنيوية ذلك أنه هو الذي يسمح بصفة خاصة بتجميع وتركيب جمهرة الأحداث التي تخترق
حياة المصر.
__________________