كل حال سبب تسميتها بجبانة الصيداويين في مصادر كثيرة (١)؟ ولكن خطة أسد كانت تقع في الجنوب الغربي بصورة مبدئية اعتمادا للتقسيم الأولي فتبقى القضية قائمة بذاتها.
تسليط الأضواء على المركز
سبق لنا أن رأينا أن مصعبا أمر بوضع الدروب لقطع كل اتصال بين المركز والخطط. ولربما تمّ الاحتفاظ بها لأن المصادر اللاحقة تحدثت عنها (٢). تعني كلمة درب (دروب في الجمع) أوّلا «سكة قليلة العرض» تمتد من ٨ إلى ٩ أمتار تقريبا (٣). فتجاوز عرضها عرض الزقاق ، وكان دون عرض السكة وأضيفت فيما بعد أبواب بأطراف الدروب (٤) فاتسعت دلالة هذه الكلمة وأصبحت تدل على الأبواب الكبرى التي تقفل السكك (٥). والمعتقد أنه وقع تجهيز بعض السكك أو كلها ، التي تفتح على المركز بأبواب ، وذلك بداية من عصر مصعب. كان الأمر كذلك في العصر التالي بالنسبة لأسواق الكوفة بعد أن بنيت وهيئت (٦) ، وشملت العملية بغداد وغيرها من المدن ، فأصبحت الأبواب تغلق عند الطلب ، ولا سيما عند المغرب ، واتجه التطوّر نحو استحواذ الخواص على هذه السكك. هنا كانت محاولة لفرض رقابة تامة سلّطتها الدولة على الاتصالات بين المركز العمومي والحزام السكني ، وربما تكلل مسعاها بالنجاح أو أنها لم توفق في ذلك. لقد جسّمت المدينة المستديرة هذه الإرادة التعسفية تجسيما قاسيا كاد أن يكون مرضيا لأن المرور لم يجر أبدا إلا عبر مركّبات الأبواب (٧) وكلما تمادت المدينة الإسلامية في البناء ، تحصنت وانغلقت ، وكبتت الطاقة البشرية في بروج داخلية. ومن العجيب أن الروح الثورة بالكوفة ـ التي يمكن مقارنتها بما كان عليه الوضع في باريس خلال القرن التاسع عشر ـ كانت مصدرا لمثل هذه الاختيارات.
ونستمد فوائد أخرى من عصر مصعب ؛ يقول أبو مخنف (٨) : «ثم أن مصعبا أمر أصحابه فاقتربوا من القصر. فجاء عباد بن الحصين الحبطي حتى نزل عند مسجد جهينة.
__________________
(١) كتاب الأغاني ، ج ١٦ ، ص ٥.
(٢) الطبري ، ج ٨ ، ص ٥٦١ وما بعدها. ليس مؤكدا أنها كانت موجودة خلال العصر الأموي ، راجع في كل حال : أنساب الأشراف ، ج ٣ ، ص ٢٤٣.
(٣) كان لدروب بغداد عرض يساوي ١٦ ذراعا : كتاب البلدان ، ص ٢٤٢.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٢٤٢.
(٥) لسان العرب ، مادة «درب».
(٦) أغلقت دروب الأسواق خلال ثورة زيد : الطبري ، ج ٧ ، ص ١٨٢.
(٧) الخطيب في كتاب Lassner ، ص ٤٩ وما بعدها. انظر لا حقا أيضا.
(٨) الطبري ، ج ٦ ، ص ١٠٥.