لأنهم استقروا في بادىء الأمر بقطيعة تقع في الشمال الغربي إلى جوار بجيلة (١). ثم أين نحدد مقام عبد القيس الذين ورد ذكرهم في الكوفة سنة ٤٣ ه (٢) ، خلافا لما أكده ماسينيون (٣)؟ وأين يوجد موقع أهل هجر أبناء عمومتهم ، الذين كانوا آخر من استقروا في الكوفة بين الروادف بمقتضى رواية المقريزي الذي اعتمد دون شك مصدرا قديما؟ (٤). نحن في حيرة من المؤلفين المحدثين الذين ينسبون إلى عبد القيس مسجد السهلة (٥) بالكوفة وهو ما زال قائما (٦) في حين أنه موجود بأقصى الشمال الغربي من المدينة (٧). فضلا عن أنه ورد بالرواية نفسها في نص أبي مخنف ، ذكر مسجد عبد القيس بحيث لم يبعد كثيرا عن جبانة السبيع ، وأنه أقيم قطعا في المنطقة ذاتها (٨). لذلك تتسلّط علينا الفكرة المتعلقة بثنائية قطائع ربيعة حيث يكون احتل عبد القيس موقعا خارج المركز ، من جهة الشمال الغربي ، واحتل غيرهم موضعا إلى الجنوب الشرقي اندمج اندماجا متفاوتا في قطائع قيس (٩).
ويكشف تحليل الأخبار المروية عن ثورة الأشراف ، عن وجود تحوير طرأ على خريطة القبائل في هذه الفترة الزمنية التي دامت خمسين سنة والتي فصلت بين المقام الأول (١٧ ه) وثورة الأشراف (أواخر سنة ٦٦ ه) فلا شك في ذلك قط. على أن هذا التحوير لم يجر
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥ : راجع أنساب الأشراف ، باريس ، دار الكتب الوطنية ، ورقة ٥٧٩ ، بخصوص خطة بكر.
(٢) الطبري ، ج ٥ ، ص ١٨٤ و ١٨٥ و ١٨٦ في روايته لثورة المستورد بن علفة الخارجي. إن المراجع كثيرة في هذا الموضوع : انظر لاحقا. هذا فضلا عن وجود صحراء عبد القيس ، الطبري ، ج ٧ ، ص ١٨٢ ، ومسجد بالإسم نفسه : المرجع نفسه ، ج ٦ ، ص ٤٩.
(٣) Massignon ,Art.cit.,p.٧٤ ، دون أن يعتمد أي مرجع وقد ذهب به القول إلى أن «اقطاعهم» قد ألحق بهمدان.
(٤) الخطط ، ج ١ ، ص ٩٣ : اعتمد تاريخ الطبري.
(٥) ذكره الطبري باقتضاب عند روايته أحداث سنة ٢٨١ : ج ١٠ ، ص ٣٦ ، لا عام ٢٨٦ كما قال ماسينيون الذي عرّفه بأنه مسجد عبد القيس :.Art.cit.,p.٣٥ وقد انفرد بذلك الأمر.
(٦) كان بين المؤلفين القدامى الذين صنفوا مسجد السهلة بقائمة المساجد المباركة ابن الفقيه ، مختصر كتاب البلدان ، ص ١٧٩. واعتمد البراقي خبرا للشيعة مقتبسا خاصة عن المجلسي والحر العاملي ، معرفا إياه بأنه مسجد بني ظفر : تاريخ الكوفة ، ص ٤٤ ـ ٤٥. ولم يرد ذكر عبد القيس في المصدرين. أما بنو ظفر فقد رتبهم ابن دريد ضمن العشائر مجهولة الاسم لبني سليم : كتاب الاشتقاق ، بغداد ، ١٩٧٩ ، ص ٣٠٧. والمرجح أنه ينبغي إسناد هذه التسمية إلى عشيرة بني ظفر التي كانت قبيلة عراقية ظهرت في فترة متأخرة بالاقليم واشتهرت بالغزو والحرب : كحّالة ، معجم قبائل العرب ، بيروت ، ج ٤ ، ص ٣٤٥. لكن لا ننس أيضا أنّ بني ظفر عشيرة من عشائر الخزرج كثيرا ما ورد ذكرهم في سيرة ابن اسحاق : مثلا ص ٣٥٩.
(٧) تبعد كيلومترين عن المسجد : الجنابي ، مرجع مذكور ، ص ٨٩ ـ ٩٣ ، زرناه سنة ١٩٧٩.
(٨) الطبري ، ج ٦ ، ص ٤٩.
(٩) راجع الرواية الخاصة بملاحقة حجر بن عدي سنة ٥١ ه : الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٦٢.