اعترى مخطط ماسينيون مصدره أنه وضع خارطة للكوفة تكون صالحة في آن للعصر الأموي والعصر العباسي ، وقد استمد ماسينيون معلوماته من روايات ثورات الشيعة وأيضا من القائمة المتأخرة التي أعدها اليعقوبي. لقد برع في إضفاء الصبغة التركيبية على هذين المصدرين وأسقطهما على خارطته (١) ، ثم أراد تجاهل التصور الأول الذي ذكره سيف والذي يبقى على الرغم من بعض التناقضات التي اعترته ، هيكلا وأصلا انطلقت منه التغييرات المقبلة كلها.
يقول ماسينيون إن الأرباع التي أنشأها زياد ، تندرج في مجال المدينة ، خلافا للأسباع التي كانت سابقة لها (٢) ، فتحدث في هذا الموضع عن «تجمع المناطق العسكرية التي تحولت إلى أحياء ، وقد تمّ الأمر في وقت مبكر جدا في البصرة ، وتمّ في الكوفة سنة ٥٠ ه» (٣). هذا أمر قابل للنقاش تماما ، لكنه يطرح قضية العلاقات أو الترابطات بين الخطط بصفتها فكرة طبوغرافية وإطارا للحياة البشرية من جهة وبين تلك المؤسسات العسكرية الجبائية التي تسمت على التوالي ، في الكوفة ، أعشارا وأسباعا وأرباعا ، واستمرت تسمى أخماسا في البصرة من جهة أخرى. وقد تبسّطت القضية في البصرة لوجود احتمال مؤكد في المطابقة بين الخطة والقبيلة (أهل العالية وبكر وتميم والأزد وعبد القيس) ، والخمس وهو مؤسسة للتعبئة العسكرية وتوزيع العطاء الذي فرضته السلطة وأشرفت عليه (٤). فيمكن التأكيد في الجملة أن الوحدة السكنية طابقت وحدة التضامن البشري المتمثلة في القبيلة. وبإلقاء نظرة خاطفة على خارطة الاستقرار الأولي المحددة بالاعتماد على معلومات رواها سيف ، نتبين فعلا أن الخطط أسندت بصفة عامة إلى قبيلة واحدة أو قبيلتين أحيانا (٥). وبالنظر في روايات أبي مخنف والإشارات المتفرقة التي تضمنتها مصادر أخرى يتأكد لدينا أن أراضي الخطط كانت ملكا للقبائل. وكثيرا ما ذكرت طيلة القرن الأول (٦) عبارات من نوع «من جهة جهينة» أو «مر بثقيف» وأيضا «دخل دور همدان وكندة» وهلم جرا ... عاد اليعقوبي إلى الماضي فقال إن كل قبيلة استقرت في خطتها (ـ اختطت) في بداية الأمر ، برئاسة شيخها وحول جبّانة
__________________
ولا سيما هذه العبارة الحاسمة : «تحوّرت الخطط ويعلمها اليوم أولئك الذين اشتروا فيها وعمّروا».
(١) راجع مخطط ماسينيون.
(٢) Massignon ,op.cit.,p.٤٤.
(٣) Ibid.,p.٤٤.
(٤) Massignon,» Explication du plan de Basra «, Westlo ? stiche Abhandlungen h. Taschudi, Wies ـ baden ٤٥٩١, pp. ٤٥١ ـ ٤٧١ ؛ وصالح العلي ، مرجع مذكور ، ص ٣١٧ ـ ٣٢٥ الذي وضع قائمة مفصلة للأخماس ولم يشر قط إليها ضمن دراسته.
(٥) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٦) انظر ما سبق.