أن دار حكيم كانت داخل السوق (١). كما نتساءل عما إذا لم تكن توجد بالساحة العمومية كل أو أكثر ما ورد بقائمة الثلاثين مسكنا للأشراف والمتمتعة بتسمية الدار بصفتها اقطاعا شخصيا يقع خارج الخطط؟ وبذلك لا يكون زياد هو الذي اتجه هذا الاتجاه بل إن عمرا هو الذي شرع فيه بصفة طفيفة وتوسع فيه عثمان ، ثم علي وزياد أخيرا. ويكون سمح هذا الوالي (زياد) باستكمال تضييق المركز من جهة الشمال والغرب والجنوب بالخصوص ـ حيث كان موضع الأسواق بقي كما هو في الأكثر ـ ، لكن هذا التضييق لم يعمل أيضا على ابتلاع الرحبة كلها وهو أمر لا مراء فيه (٢). ونوافق البلاذري حين يقول إنه جرى تصدير ظاهرة المركز إلى المواضع الخالية في الخطط. كما نوافق على أن الشكل المعماري للإقامة الخاصة قد تجسم بشدة في الجو الذي أشاعه زياد ، ولعله تشكل كما تشكل عنصر آخر لا يقل صبغة أساسية عنه ، نعني الحمام الذي سيظهر في المستقبل (٣). هناك تضييق وتعمير الفراغات ، وتكثيف العمران ، يضاف إلى نقل بعض القبائل : كل ذلك اكتسى أبعادا مهمة قطعا.
لم يبدأ كل شيء في ولاية زياد كما تدل على ذلك أسماء المكان (٤) علما أنها ترجع إلى أشخاص برزوا في تاريخ المدينة ، سواء كان في فتراته الخاملة أو النيّرة ، بداية من خلافة علي حتى نهاية ثورة ابن الزبير (٣٧ ـ ٧٣ ه) ـ أي خلال جيل (٥) ، وسوف نعود إلى هذه النقطة الهامة. لا مفر من التأكيد على ما قام به زياد من عمل حاسم وسريع إحقاقا للحق ، إنما ينبغي إدماجه في مرحلة تاريخية تميزت بالاستمرار في البناء الذاتي للمدينة. ولا يمكن أن ننسب قطعا لزياد المناهج الكبرى المفتوحة ، كما قيل دون أية حجة (٦). ولذا فإن العمل الكبير الذي قام به زياد بقي مرتبطا أصلا بتشييد المسجد والقصر ، وقد تمادى في حركة تمصير الكوفة في مجموعها ، لصالح الأشراف خاصة ، وبذلك يكون قد استمر في العمل بسياسة عثمان.
__________________
(١) فتوح البلدان ، ص ٢٨١ : كانت هذه الدار تقع عند «أصحاب الأنماط» (صناع السجاجيد).
(٢) الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٦٨ : حيث أمر زياد بنقل حجر ورفاقه على النوق ، إلى الرحبة.
(٣) لا شك أن زيادا لم ينشىء الحمامات ، ولم يشجع عليها إلا أنه أذن في بنائها وفرض تضييقات على ذلك : أنساب الأشراف ، ج ٤ (١) ، ص ٢٢٣ ؛ فتوح البلدان ، ص ٣٤٨.
(٤) فتوح البلدان ، ص ٢٧٤ ـ ٢٨٧ : اعتمد الكلام الخاص بالكوفة على دراسة في أسماء المكان.
(٥) فتوح البلدان ، ص ٢٧٧ ـ ٢٨٧ : تحدث البلاذري فعلا عن زقاق عمرو بن حريث ص ٢٧٥ ، وباب فيل مولى زياد. لكن أسماء كثيرة تشير إما إلى مشاركين في الفتح ، وإما حول ذلك إلى أهالي الحيرة وإياد وعاش كثيرون حتى عصر الحجاج وبعده : أعين وشبث وابن محرز وعمر بن سعد ، ولم يكونوا من أتباع علي أو زياد. كانوا أناسا وسموا المدينة بحضورهم البارز أو المتستر ، وكانوا من الأشراف.
(٦) Reitemeyer ,p.٨٥.