هناك تعليل آخر
صبغته اجتماعية تاريخية. لقد تحقق الفتح على مراحل متوالية ، وكان التمييز بين
المحاربين على أساس الأقدمية في الخدمة («السابقة»). فجسم هذا الأمر إسقاطا على
الأحداث التي تلت وجود الرسول ، لزمنية نبوية وإسلامية محضة. وعندما جدّت نزاعات
اجتماعية دينية في خلافة عثمان وعلي ومعاوية ، وفي الكوفة بالذات ، كانت جميعها أو
كادت تدور حول اختيار سلم الرتب ، وكان التيار الإسلامي ينزع طبعا إلى تمييز
السابقة الزمنية في القتال. وقد آل الأمر إلى أن يكوّن أبطال الأيام مجموعة
متماسكة كانت لها مطامح سياسية واجتماعية في البداية ، ثم تحولت إلى مجرد مطامح
تاريخية وأدبية. «كان أهل الأيام من أهل الكوفة يتوعدون معاوية عند بعض الذي
يبلغهم ، ويقولون : ما شاء معاوية ، نحن أصحاب ذات السلاسل ، ويسمون ما بينها وبين
الفراض ما يذكرون ما كان بعد احتقار لما كان بعد فيما كان قبل» .
لعل هذه المجموعة
النشيطة في خلافة عثمان ، التي خلت إلى ذكرياتها في عهد معاوية ، هي التي غذت
رواية الأساطير حول الأيام سنة ١٢ ، فتقصت الأحداث الصغرى والأشعار المنظومة على
نموذج مستمد من العصر الجاهلي بصورة غريبة. فنجم عن ذلك مصدر جديد للأثر التاريخي
قائم على الأخبار لا على الفقه وقد استوحى صبغة ذات خصوصية ـ استهدفت المصلحة
الأدبية لمجموعة معينة ـ وصبغة إسلامية في الآن نفسه قامت على مفهوم إسلامي للعزة
، وصبغة عربية جاهلية المظهر أخيرا. فمن جهة هناك شعور بعزة شبه أسطورية ناشئة عن
أن أهل الأيام كانوا أول من انطلق في مغامرة هشة في بدايتها ، لكنها عظيمة في
نتائجها آخر الأمر ، إذ إن الأشياء لا تقاس بأهميتها الظاهرة بل بصوفية الانطلاقة
، وبالحركة الأولى التي تلهب التاريخ والتي ترجع إلى زمن النبي. ومن جهة أخرى يعود
لفظ الأيام ، من حيث وقعه ، إلى الجاهلية الأولى : حوادث صغيرة ، لا تكاد تدخل في
التاريخ ، ولكنها تطبع الوعي الجماعي بقوّة. ولربما كان المقصود في نطاق أيامنا
العراقية تكييف تكتيك الحرب القبلية إلى تكتيك الحرب الشاملة بين شعب وشعب.
الحقيقة أن هذا
التدرب تحقق بعد وقت قصير زمن أبي عبيد وجرير بن عبد الله البجلي ،
__________________