خلال المرحلة الثانية من الفتح. أما في مرحلة الأيام ، فالأمر بقي مرتبطا بأحداث كانت تدور بين العرب أنفسهم : في الحيرة مثلا أو في عين التمر ، حيث المهزومون الرئيسيون كانوا من عرب الحدود أكثر مما كانوا من الفرس ، وكأنّ ذلك ، بشكل من الأشكال ، امتداد لحرب القضاء على الردة.
إن تاريخ الطبري هو أضمن المصادر بهذا الصدد رغم مظهره المتشعب. أما البلاذري فيخلط بين التواريخ وتشتبه لديه الأحداث ويدخل فيها جانبا لا يستهان به من غريب الرواية والوعظ. أما كتاب أبي يوسف فهو جيد لكن يعوزه التحديد.
يروي الطبري عدة روايات منكرا صحتها (١) ، وقد ورد فيها أن خالدا مرّ بالأبله واتجه شمالا حتى الحيرة. الواقع أن الساحة الرئيسة للعمليات كانت تقع في موقع الكوفة العتيدة حيث جرى الاستيلاء على الحاميات وفي الإمكان أن يكون العرب قد تقدموا في مرحلة ثانية إلى السواد حتى دجلة ، محتلين إياه في واقع الأمر ، بحيث أن دجلة لا الفرات هي التي قامت مقام الحاجز بين العرب والعجم في مطلع عام ١٣ (٢). ودعي خالد ، في المرحلة الأخيرة ، لنجدة الجيوش في الشام فسار إلى أعلى الفرات ودخل الجزيرة فقمع بشدة القبائل العربية على حدود الشام ، ثم عبر الصحراء فتفرع جيش الأيام فرعين : فرع رافق خالدا تحت اسم أهل العراق وعاد فورا لا محالة بعد وقعة القادسية ، وبقي قسم آخر مع المثنى في الحيرة ، وهم في اعتقادنا أنصار المثنى بالذات ، وسيكون نصيبهم المشاركة في كل مراحل المغامرة العراقية.
إن الحصون التي استولى عليها خالد والمثنى هي أليس والحيرة وبسما وبانقيا وأمغيشيا. توجد أليس على الفرات (٣) وكانت في حماية قائد عسكري فارسي يسمى جابان وقد لعب دورا ما في حروب الفتح حتى وقعة القادسية. كان جابان يعتمد على أعوان عرب
__________________
(١) وجاراه فلهوزن في هذا الرأي :.Prolegomena.
(٢) الطبري ، التاريخ ، ج ٣ ، ص ٤١٤.
(٣) هذا ما ورد في أغلب المصادر ، لكن لا يشكل ذلك خبرا كافيا ، إذ لو كانت حامية فارسية تدافع عن خط المواجهة مع العرب ، لوقعت منطقيا على ضفة الفرات اليمنى ، لكن السياق كله الذي توحي به مطالعة كتاب الطبري خاصة ، يدل على وجود هذه القرية والقرى الأخرى داخل السواد ، أي على ضفة الفرات اليسرى وبالأحرى في منطقة الحيرة والكوفة وهو الموقع الذي حدده لها صالح أحمد العلي في الخارطة المدرجة بدراسته : «منطقة الكوفة ، دراسة طبوغرافية» ، سومر ، ١٩٦١ ، المجلد ٢١ ، ج ١ و ٢ ، ص ٢٢٩ ـ ٢٥٣. وقد أشار الدينوري صراحة ، ص ٢٩٨ ، إلى وجود بانقيا في المنطقة ذاتها. هذا ولا يعتمد على المعاجم الجغرافية المتأخرة في موضوع التعرف على المواقع القديمة ، إذ أوردت ما نقلته عن الكتب السابقة وهي بذاتها قليلة الوضوح : ياقوت ، معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٣٣١ و ٣٢٠. وقد أكد الطبري في مكان آخر أن أليس تقع بمنطقة الأنبار ، وتتوغل في الشمال : التاريخ ، ج ٣ ، ص ٤٧٣.