عن آخرين ممن جمعوا بين المذهبين وأحاطوا بالقولين ، فكان مثلهم في الجمع والإحاطة ، وكان كشيخه الزجاج في ميله إلى البصرة والأخذ برأيها في أكثر الأحيان. على أن الزجاجي لم يكن متعصبا ولا مقلّدا ، وإنما كان حرّ الفكر مستقل الرأي مع سماحة في النفس ونبل في الخلق ، فلم يمنعه هواه البصريّ من عرض أحسن حجج الكوفيين واستعمال بعض مصطلحاتهم والاعتراف بفضل أساتذته منهم.
وأما أسلوبه فأسلوب العالم المتزن ، الطويل النفس ، الخبير بأساليب الحوار والجدل. يعرض المسألة بإيجاز ، ويورد أحسن ما قيل فيها من الآراء والحجج. ثم ينقد ويقوّم ، فيضعف وينقض ، أو يقوّي ويستحسن ، سالكا سبيل المنطقيين في إيراد حجج الخصوم بغية هدمها وإقامة الرأي على أنقاضها.
ويمتاز الزجاجي بالدقة والأمانة في النقل والرواية ، فلا يذكر شاهدا إلا معزوا إلى قائله ، ولا خبرا إلا مصحوبا بسنده ، كما نرى في أماليه. وحسبنا دليلا على دقته وأمانته وتواضعه أنه سئل سؤالا فكتب في الجواب : «وليست هذه المسألة مسطرة لأصحابنا في شيء من كتبهم. وهي مسطرة في كتب الكوفيين ، ولكني سألت عنها أبا بكر بن الخياط وابن شقير فأجاباني بما ذكرته لك (١) ...».
__________________
(١) الأشباه والنظائر ٢ : ١٤٦.