تفوح بمندل (١٣) رطب وندّ (١٤) |
|
وبالمسك الذكيّ وبالعبير |
فلما وقف الفقيه عماد الدين على هذه الأبيات ، طلب الرجل المذكور إلى موضعه إلى الضنجوج ، فوصل ، فقال له الفقيه : يا فلان ، كيف هذا الأمر الذي جئت به؟! قال : هذا وحي من الله تعالى أوحي به إليّ.
فقال له الفقيه : إن الوحي قد انقطع بعد موت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولا يوافقك على ما تقول أحد من الفقهاء.
فقال : قل : موافقة الفقهاء لا تضر بالنبي ، لأن الفقيه يتكلم على قدر ما يعرف ، والنبي يتكلم على قدر ما يعرف ، ولكل واحد منهم عند الله مقام ، تكلموا أنتم على ما تعرفون ، وأنا أتكلم على ما أعرف.
فلما فهم منه الفقيه أنه لا يسمع كلام العذال ، ولا يرجع إلى ما يقال ، سكت عنه ، فلما سكت عنه رجع إلى بيته إلى سحير ، وأقام مدة يتكلم بهذا الكلام حتى أشكل أمره على العوام ، ثم بعد ذلك انتهى إلى السلطان الملك الناصر ، وهو في حد قوارير ، فطلب حضوره إلى مجلسه فأحضره ، فلما وصل قال له السلطان : أنت الذي تزعم أنك نبي ، وأنك عيسى بن مريم؟ قال : نعم.
قال : إنك استعجلت علينا بنزولك قبل خروج الدجال ، وقد بلغنا في الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أن عيسى عليهالسلام ينزل بعد خروج الدجال فيطلبه حتى يدركه فيقتله» (١٥).
فأجابه جواب جاهل ، فعرف السلطان أن عقله زائل ، وقال لمن حوله من الجماعة : هذا رجل أظنه نشف دماغه ، فتغير عقله ، ينبغي أن يداوى ، ولكن
__________________
(١٣) المندل : عود الطيب أو أجوده.
(١٤) النّد : طيب معروف ويكسر ، أو العنبر.
(١٥) ورد ذلك في أكثر من حديث ، ويراجع مسلم ٨ / ١٩٧ ـ ٢٠٧