فخرج هيّ بن بيّ في جماعة قومه جرهم حتى أتى مكة ، فحاربته العمالقة ، فظفر بهم ، وقتلهم ونفاهم عنها ، وأقام بها هو وقومه ، وكتب ولايته على جبال مكة لتبقى على مرّ الأيام ، ولم تزل ولده يتوارثون ولاية أمرها آخرا عن أول حتى أوحى الله تعالى إلى خليله إبراهيم عليهالسلام ، فنقل هاجر وولدها إسماعيل إلى مكة لما حصل على سارة من الغيرة بولادة إسماعيل ، فسار به وبأمه إلى مكة وأوصى جرهما به ، فقالوا : نحن نحوطه من كل مخلوق ، فلا تهتم بأمره فنشأ فيهم ونطق باللسان العربي بينهم ، وكان والده يزوره من بابل إلى مكة.
فصل [في عمارة البيت العتيق وحجابته]
ثم لما أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليهالسلام بعمارة البيت العتيق عمّرها (١٠) وجعل جرهما حفظة وقوّاما عليها ، وعلّمهم سنن الحجّ ، ولما نادى بالحج كان أول من لبّاه أهل اليمن وجعل حجابة البيت لإسماعيل ، فلما توفي إسماعيل صارت حجابتها إلى الحارث بن مضاض بن عمرو ومعه ابن أخته نابت بن إسماعيل (١١) معظم مكرم ، فأقاموا بها ما شاء الله ، ثم دخلها عمرو بن ربيعة (١٢) ، وهو أبو خزاعة ، وأخرجهم منها ، وذلك بعد خروج الأزد من مأرب ودخولهم مكة ، لأنهم دخلوها وأقاموا بين جرهم زمانا ، ثم عزموا على الانتقال إلى الشام. فلما
__________________
(١٠) أي الكعبة.
(١١) ثابت بن إسماعيل : في الأصل ، وما أثبته من السيرة النبوية لابن هشام ١ / ١١١ ، والسيرة النبوية لابن كثير ١ / ٥٦
(١٢) عمرو بن ربيعة : هو أبو خزاعة عمرو بن ربيعة (لحي) بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد (العصبية القبلية) ، وفي (السيرة النبوية لابن هشام ٧٦٨) ، وفي (السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٦٥) ، هو عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف ، وفي (جمهرة الأنساب ٩ ، و٢٢٣) ، هو عمرو بن عامر بن لحي (ربيعة) بن عامر بن قمعة (عمير) وأمه (خندف) ابن إلياس بن مضر.