التخصيص ، باطل.
توضيح ذلك : إنّ البحث عن أسباب النزول ليس خاصّاً بآيات الأحكام ـ وهي الآيات الخمسمائة المعروفة ـ بل يعمّ كلّ الآيات بما فيها آيات العقائد والقصص والأخلاق وغيرها ، ومن الواضح أنّ من غير المعقول الإلتزام بعموم الأحكام الواردة فيها كلّها.
مثلاً : قصّة موسى و فرعون و بني إسرائيل ، بما لها من الخصوصيّات المتكررة في القرآن ، لا معنى للإشتراك فيها ، فهي قضيّة في واقعة إنّما ذكرت للإعتبار بها ، و يستفاد منها في مجالاتها الخاصّة.
و كذلك إذا كان الموضوع خاصّاً لاعموم فيه ، فإنّ القول باشتراك حكم الآية بينه و بين من يشبه ، شططٌ من القول. قال السيوطي في آية نزلت في معيّن ولا عموم للفظها : إنّها تقصر عليه قطعاً ـ و ذكر مثالاً لذلك ، ثم قال ـ : و وهم من ظنّ أنّ الآية عامّة في كلّ من عمل عمله ، إجراءً له على القاعدة ، وهذا غلط ، فإنّ هذه الآية ليس فيها صيغة عموم (٢١).
و قوله تعالى : «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» سورة الكوثر (١٠٨) الآية (٣) فإنّها نزلت في العاص الذي كان يعيّر النبيّ صلّ الله عليه وآله وسلّم ، بعدم النسل والذرّيّة ، فعبّرت عن ذمّه وحكمت عليه بأنّه هو الأبتر ، و باعتبار كون الموضوع «شانئ النبيّ صلّ الله عليه وآله وسلم» فهو خاصّ معيّن ، وهذا يُعرف من خلال المراجعة إلى سبب النزول ، فهل القول باختصاص الحكم في الآية بذلك الشخص فيه مخالفة للكتاب أو السنّة ، حتى لا يقول به مسلم أو عاقل ! كما يدّعيه ابن تيميّة.
لكنه خلط بين هذه الموارد ، و بين ما مثّل به من موارد الحكم الشرعي بلفظ عامّ ، فاستشهد بتلك على هذه ، وهذا من المغالطة الواضحة.
و نجيب عن الشبهة ، ثانياً : بأنّ الآية لو كانت تدلّ على حكم شرعي ، وكان لفظ الموضوع فيها عامّاً إلّا أنّا عرفنا من سبب النزول كون موردها شخصاً معيّناً باعتباره الوحيد الذي انطبق عليه الموضوع العامّ ، أو كان الظرف غير قابل للتكرار ، فإنّ من الواضح أنّ حكم الآية يكون مختصّاً بذلك الشخص وفي ذلك الظرف ، ولا يمكن
_____________________________
٢١ ـ المصدر نفسه (ج ١ ص ١٢ ـ ١١٣).