على أسباب النزول (١٩).
و ثالثاً : إنّ هذا البحث الاصولي إنّما يجري في آيات الأحكام كما يظهر من عنوانهم له ، دون غيرها ، و سيأتي مزيد توضيح لهذا الجواب فيما يلي.
وقد أثار ابن تيميّة شبهةً حول أهمّية أسباب النزول تعتمد على أساس هذا الإعتراض ، ملخّصها : أنّ نزول الآية في حقّ شخص ـ مثلاً ـ لا يدلّ على اختصاص ذلك الشخص بالحكم المذكور في الآية ، يقول : قد يجيء ـ كثيراً في هذا الباب ـ قولهم : «هذه الآية نزلت في كذا» لاسيّما إذا كان المذكور شخصاً كقولهم : إنّ آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن القيس ، و إنّ آية الكلالة نزلت في جابر بن عبدالله.
قال : فالّذين قالوا ذلك ، لم يقصدوا أنّ حكم الآية يختصّ باُولئك الأعيان دون غيرهم ، فإنّ هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق ، والناس ـ و إنْ تنازعوا في اللفظ العامّ الوارد على سبب ، هل يختصّ بسببه ؟ ـ فلم يقل أحد : إنّ عمومات الكتاب والسنّة تختصّ بالشخص المعيّن ، و إنّما غاية ما يقال إنّها تختصّ بنوع ذلك الشخص ، فتعمّ ما يشبهه.
والآية التي لها سبب معيّن ، إن كانت أمراً أو نهياً ، فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممّن كان بمنزلته ، و إن كانت خبراً بمدح أو ذمّ ، فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته (٢٠).
والجواب عن هذه الشبهة :
أوّلاً : إنّ ما ذكره من «لزوم تعميم الحكم ، وعدم قابلية الآية للتخصيص بشخص معين» إنّما يبتني على فرضين :
١ ـ أن يكون الحكم الوارد في الآية شرعيّاً فقهيّاً.
٢ ـ أن يكون لفظ الموضوع فيها عامّاً.
وهذان الأمران متوفّران في الأمثلة التي أوردها ، كما هو واضح.
أمّا إذا كانت الآية تدلّ على حكم غير الأحكام الشرعيّة التكليفيّة أو الوضعيّة ، أو كان الموضوع فيها بلفظ خاصّ لاعموم فيه ، فإنّ ما ذكره من لزوم التعميم وامتناع
_____________________________
١٩ ـ المصدر نفسه (ج ١ ص ٨ ـ ١٠٩).
٢٠ ـ المصدر نفسه (ج ١ ص ١١٢).